للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كُلُّ ما في الدنيا فهو مذكِّر بالآخرة، ودليلٌ عليه؛ فنباتُ الأرض واخضِرارها في الربيع بعدَ مُحُولها (١) ويُبْسها في الشتاء، وإيناعُ الأشجار واخضِرارها (٢) بعد كونِها خشبًا يابسًا يدُلُّ على بعث الموتى من الأرض، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه في مواضعَ كثيرةٍ، قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (٣). وقال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} (٤). وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (٥).

قال أبو رَزِين (٦) للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ يُحيي الله الموتى؟ وما آيةُ ذلك في خَلْقه؟ قال: "هل مررتَ بوادٍ أُهلك مَحْلًا، ثم مررت به يهتزُّ خَضِرًا"؟ قال: نعم. قال: "كذلك يُخرِجُ الله الموتى، وذلك آيته في خلْقه". خرَّجه الإِمام أحمد (٧).

وقِصَرُ مدَّةِ الزَّرْع والثمار وعَوْدُ الأرض بعد ذلك إلى يُبْسها، والشجر إلى حالها الأول، كعودِ ابن آدم بعد كونه حيًّا إلى التراب الذي خُلق منه.

وفصول السنة تذكِّر بالآخرة؛ فشِدَّةُ حرِّ الصيف يذكِّر بحرِّ جهنم، وهو من سمومها؛ وشدة برد الشتاء يذكِّر بزمهرير جهنَّم وهو من زمهريرها، والخريف يكمُلُ فيه اجْتناءُ [الثمرات التي تبقى وتُدَّخَر في البيوت، فهو مُنَبِّهٌ على اجتناءِ] (٨) ثمراتِ


(١) في آ: "قحولها"، وفي ع: "قحولتها"، وفي ش: "تحولها".
(٢) في ع: "وزهوها"، وفي ش: "وزهورها".
(٣) سورة الحج الآيات ٥ - ٧.
(٤) سورة ق الآيات ٩ - ١١.
(٥) سورة الأعراف الآية ٥٧.
(٦) هو لقيط بن صبرة، أو لقيط بن عامر بن صبرة، أبو رَزين العقيلي. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنه ابنه عاصم.
(٧) مسند أحمد ٤/ ١١، وانظر "زاد المسير" ٦/ ٤٧٦ وثم تخريجه.
(٨) ما بين قوسين لم يرد في ب، ط.

<<  <   >  >>