للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعمال في الآخرة. وأمَّا الرَّبيع فهو أطيبُ فصولِ السَّنة، وهو يذكِّر بنعيم الجنة وطيب عيشها، فينبغي أن يحثَّ المؤمن على الاستعداد لطلب الجنة بالأعمال الصَّالَحة. كان بعضُ السَّلف يخرج في أيام الرَّياحين والفواكه إلى السوق، فيقفُ وينظر ويعتبر، ويسألُ الله الجنَّةَ. وَمَرَّ سعيد بن جبير بشبابٍ من أبناء الملوك جُلوس في مجالسهم في زينتهم، فسلَّموا عليه، فلمَّا بَعُدَ عنهم بكى واشتدَّ بكاؤه، وقال: ذكَّرني (١) هؤلاء شبابَ أهل الجنَّة.

تزوَّجَ صِلَةُ بن أَشْيَم (٢) بمُعاذَةَ العدويَّةِ، وكانا من كبار الصالحين، فأدخله ابنُ أخيه الحمّام، ثم أدخلَه على زوجته في بيت مطيَّبٍ منجَّدٍ، فقاما يصليان إلى الصباح، فسأله ابن أخيه عن حاله، فقال: أدخلْتنِي بالأمس بيتًا أذكرْتني به النَّارَ، يعني الحمّام، وأدخلْتني الليلةَ بيتًا أذكرْتني به الجنَّة، فلم يزلْ فكري في الجنة والنار إلى الصباح.

دعا عبدُ الواحد بن زيد إخوانَه إلى طعامٍ صنعَه لهم، فقام على رؤوسهم عُتبةُ الغُلام يخدُمُهم وهو صائم، وهم يأكلون، فجعلَتْ عيناه تهملان. فسأله عبد الواحد عن سبب بكائه، فقال: ذكرْت موائدَ أهل الجنَّة إذا أكلوا وقام الولدانُ على رؤوسهم، إنما خُلِقت الدُّنيا مرآةً لننظر (٣) بها إلى الآخرة لا لننظر إليها ونُوقَفَ معها.

كَفِى حَزَنًا أن لا أعاينَ بُقْعَةً … مِنَ الأرْض إلَّا ازْدَدْت شوقًا إليكُمُ

وإنِّي متى ما طابَ لي خفْضُ عِيشةٍ … تذكرْتُ أيَّامًا مَضَتْ لي لَديكُم

تدقيقُ النظر والفكر في حال النبات يَستدِلُّ به المؤمن على عظمةِ خالقِه وكمالِ قدرته ورحمته، فتزداد القلوبُ هَيَمانًا في محبَّته، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ


(١) في آ: "ذكرت بهؤلاء"، وفي ش، ع: "ذكرني هؤلاء بشباب".
(٢) هو صلة بن أَشْيَم، أبو الصهباء العدوي البصريّ، الزاهد العابد، زوج العالمة معاذة العدوية، من رجال "التهذيب"، وحديثها في الكتب الستة. استشهد بسجسستان سنة ٦٢ هـ. والخبر في "صفة الصفوة" ٣/ ٢١٩.
(٣) في آ "لِيُنْظَرَ … ويُوقَف".

<<  <   >  >>