للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (١).

سُمِعَ (٢) بعضُ المُحتَضرين عند احتضاره يلطِمُ على وجهه، ويقول: {يا حَسْرَتَا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنْبِ الله}. وقال (٣) آخر عند احتضاره: سَخِرتْ بي الدنيا حتى ذهبَتْ أيامي. وقال آخر عند موته: لا تغرنكُم الحياة (٤) الدنيا كما غرتني. وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٥) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} (٦). وقال الله تعالى {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (٧). وقال الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} (٨)، وفسَّره طائفةٌ مِن السَّلف؛ منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بأنَّهم طلبوا التوبةَ حين حِيلَ بينهم وبينها. قال الحسن: اتقِ الله يا ابنَ آدم، لا يجتمع عليك خَصْلتان؛ سكْرةُ الموت، وحَسْرةُ الفوْت.

وقال ابن السَّمَّاك: احْذر السَّكرةَ والحَسْرة أن يفجأك الموتُ وأنتَ على الغِرَّة، فلا يصفُ واصفٌ قدْرَ ما تلقى ولا قدْرَ ما ترى.

قال الفُضيلُ: يقولُ الله عزَّ وجلَّ: ابنَ آدم! إذا كنتَ تتقلَّبُ في نِعمتي وأنتَ تتقلَّبُ في معصيتي، فاحْذرْني لا أَصْرَعُك بين معاصِيَّ. وفي بعض الإسرائيليات: ابنَ آدمَ! احْذر لا يأخُذك الله على ذنبٍ فتلقاهُ لا حُجَّةَ لك. مات كثير من المُصِرِّين على المعاصي على أقبحِ أحوالهم وهم مباشرون للمعاصِي، فكان ذلك خِزيًا لهم في الدنيا مع ما صاروا إليه من عذاب الآخرة. وكثيرًا ما يقعُ هذا للمصرِّين (٩) على الخمر المدمنين لشربها، كما قال القائل:


(١) سورة الزمر الآيات ٥٤ - ٥٦.
(٢) في آ: "سُمع بعض المستحضرين عند استحضاره يقول: سخرت بي الدنيا .. ".
(٣) في ش، ع: "وسُمع من آخر: سخرت .. ".
(٤) لفظ "الحياة" لم يرد في آ، ش، ع.
(٥) في آ، ش، ع: "ارجعوني".
(٦) سورة المؤمنون الآية ٩٩.
(٧) سورة المنافقون الآية ١٠ و ١١.
(٨) سورة سبأ الآية ٥٤.
(٩) في ش: "لمدمني الخمر المصرّين على شربها".

<<  <   >  >>