للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتَأْمَنُ أيُّها السَّكرانُ جَهْلًا … بأَنْ تَفْجَأْكَ في السُّكْر المنِيَّه

فَتَضْحَى عِبْرةً للناس طُرًّا … وَتَلْقَى الله مِن شَرِّ البَرِيَّه

سكِرَ بعضُ المتقدِّمين ليلةً، فعاتبته زوجتُه على ترك الصَّلاة، فحلف بطلاقها ثلاثًا لا يُصلِّي ثلاثة أيامٍ، فاشتدَّ عليه فراق زوجته، فاستمَرَّ على ترك الصلاة مدَّةَ الأيام الثلاثة؛ فمات فيها على حاله وهو مصِرٌّ على الخمر، تاركٌ للصلاة.

كان بعضُ المصرِّين على الخمر يُكنى أبا عمرٍو، فنام ليلةً وهو سكران، فرأى في منامه قائلًا يقول له:

جَدَّ بكَ الأمْرُ أبا عمرو … وأنْتَ مَعْكُوفٌ على الخَمْرِ

تشرَبُ صَهْباءَ صُرَاحِيَّةً … سَالَ بكَ السَّيْلُ ولا تَدْرِي

فاستيقظ منزعجًا وأخبر مَن عندَه بما رأى، ثم غلبَه سُكْرُه فنام، فلمَّا كان وقتُ الصُّبح مات فجأةً. قال يحيى بن معاذٍ: الدنيا خَمْرُ الشيطان، مَن سكِرَ منها لم يُفقْ إلَّا في عَسْكَر الموتى نادمًا مع الخاسرين. وفي حديثٍ خرَّجه "الترمذي" (١) مرفوعًا: "ما مِن أحَدٍ يموتُ إلَّا نَدِمَ". قالوا: وما ندامتُه؟ قال: "انْ كان مُحسِنًا نَدِمَ أن لا يكونَ ازدادَ، وإن كان مسيئًا ندِمَ أن لا يكونَ اسْتَعْتَبَ" (٢). إذا ندِمَ المحسنُ عند الموت فكيف يكون حالُ المسيء. غايةُ أمنيَّةِ الموتى في قبورهم حياةُ ساعةٍ يستدركون فيها ما فاتهم من توبةٍ وعمل صالحٍ، وأهلُ الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهَبُ أعمارهُم في الغَفْلَة ضَياعًا، ومنهم من يقطعُها بالمعاصِي. قال بعضُ السَّلف. أصبحتم في أمنيَّة ناس كثيرٍ، يعني أن الموتى كلَّهم يتمنَّون حياةَ ساعةٍ؛ ليتوبوا فيها ويجتهدوا في الطاعة، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك، [وقد أنشد بعضهم] (٣):

لو قيل للقومِ ما مُنَاكُم طَلَبُوا … حياةَ يومٍ ليتوبُوا فاعْلَمِ

وَيْحَكِ يا نَفْسُ أَلَّا تيقُّظٌ … يَنْفَعُ قبلَ أن تزِلَّ قدمِي


(١) رقم (٢٤٠٥) في الزهد، باب رقم ٥٩، وإسناده ضعيف.
(٢) في الترمذي: "نزع".
(٣) زيادة من ش، ع.

<<  <   >  >>