للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقسمْتُمُ ألَّا تَحُولُوا عن الهَوَى … فحلْتُم عن العهدِ القَديم وما حُلْنا

لياليَ كُنَّا نستقِي مِن وِصالِكُم … وقلبي إلى تِلكَ الليالِيَ قَدْ حَنَّا

قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن فلانًا نامَ حتَّى أصبحَ. فقال: "بالَ الشيطانُ في أُذنِهِ" (١). كان سرِيٌّ (٢) يقول: رأيتُ الفوائدَ تَرِدُ في ظُلمَةِ الليلِ، ماذا فاتَ مَن فاتَهُ خيرُ اللَّيلِ؟ لقد حصَلَ أهلُ الغَفْلةِ والنَّومِ على الحِرْمانِ والوَيْلِ. كان بعضُ السلف يقومُ بالليل، فنامَ ليلةً فأتاهُ آتٍ في منامِه، فقال له: قُمْ فصَلِّ، ثم قال له: أما علِمْتَ أن مفاتيحَ الجنَّةِ مع أصحابِ اللَّيلِ هُم خُزَّانُها (٣). وكان آخَرُ يقومُ الليلَ، فنامَ ليلةً فأتاه آتٍ في منامِه، فقال: ما لكَ قصَّرْتَ في الخِطْبَةِ؟ أما علِمْتَ أن المتهجِّدَ إذا قام إلى تهجُّدِه قالت الملائكة: قامَ الخاطِبُ إلى خِطْبَتِهِ.

وَرَأى بعضهم حوراءَ في نَوْمِهِ، فقال لها: زوجيني نفسَكِ، قالت: اخطُبْنِي إلى ربِّي وأمْهِرْني، قال: ما مَهْرُكِ؟ قالتْ: طولُ التهجُّدِ.

نام ليلة أبو سليمان الدَّاراني (٤) فأيقظته حوراءُ وقالت: يا أبا سليمان، تنامُ وأنا أُربَّى لكَ في الخُدُورِ من خمسمائةِ عام (٥)؟. واشترى بعضهُم من الله تعالى حوراءَ


(١) رواه البخاري رقم (١١٤٤) في التهجد، باب إذا نام ولم يصلِّ بالَ الشيطانُ في أُذُنه، وفي بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده؛ ومسلم رقم (٧٧٤) في صلاة المسافرين، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح؛ والنسائي ٣/ ٢٠٤ في قيام الليل، باب الترغيب في قيام الليل؛ وابن ماجه رقم (١٣٣٠) في الإِقامة، باب ما جاء في قيام الليل؛ كلهم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي معنى "بال الشيطان في أذنه" قال النووي في شرح مسلم ٦/ ٦٣: اختلفوا في معناه؛ فقال ابن قتيبة: معناه: أفسده، يقال: بال في كذا، إذا أفسده. وقال المهلب والطحاوي وآخرون: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان، وتحكمه فيه، وعقده على قافية رأسه "عليك ليل طويل" وإذلاله له. وقيل: معناه: استخف به واحتقره واستعلى عليه، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه، وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد إذلالًا له. وقال الحربيّ: معناه: ظهر عليه وسخر منه. قال القاضي عياض: ولا يبعد أن يكون على ظاهره؛ قال: وخص الأذن لأنها حاسة الانتباه.
(٢) هو سَريّ بن المغلس السَّقطي، أبو الحسن. من كبار المتصوفة، وهو أول من تكلَّم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال الصوفية، وهو خال الجنيد وأستاذه. مات سنة ٢٥٣ هـ. وانظر الخبر وترجمته في "صفة الصفوة" ٢/ ٣٧٥.
(٣) عبارة "هم خزانها" مكررة في ب، ط.
(٤) لفظة "الداراني" لم ترد في ب، ع، ط.
(٥) أخرجه ابن الجوزي في "صفة الصفوة" ٤/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>