للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهما السلام شكرًا لله عزَّ وجلَّ. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أنا (١) أحقُّ بموسى وأحقُّ بصوم هذا اليوم، فأمَرَ أصحابَهُ بالصَّوم (٢). وفي الصحيحين عن سَلَمة بن الأَكْوَعِ (٣) رضي الله عنه: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رجلًا مِن أَسْلَمَ: أنْ أذِّنْ في النَّاسِ: مَنْ أَكَلَ فليَصُمْ بَقيَّةَ يومِهِ، ومَنْ لَمْ يَكنْ أكَلَ فلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليومَ يومُ عاشوراءَ" (٤).

وفيهما (٥) أيضًا عن الرُّبَيِّعِ (٦) بِنْتِ مُعَوِّذ، قالت: "أرسلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غَداةَ عاشوراءَ إلى قُرَى الأَنْصَار التي حولَ المدينةِ: مَنْ كان أصبَحَ صائمًا فليُتِمَّ صَوْمَهُ، ومَنْ كانَ أصبَحَ مفطِرًا فليُتِمَّ بقيَّةَ يومِهِ. فكُنَّا بعدَ ذلك نصومُهُ، ونُصَوِّم صِبيانَنا الصغارَ منهم، ونَذْهَبُ إلي المسجد فنجعَلُ لهم اللُّعْبةَ مِنَ العِهْنِ (٧)، فإذا بكى أحدُهُم على الطَّعامِ أَعْطَيْناهُ إيَّاها حتَّى يكونَ عند الإِفطار". وفي رواية (٨): "فإذا سألونا (٩) الطَّعامَ أعطيناهم اللعبةَ تُلْهِيهِم، حتى يُتِمُّوا صَوْمَهُم. وفي الباب أحاديثُ كثيرة جدًّا.

وخرَّجَ الطبرانيُّ بإسنادٍ فيه جَهَالة، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو يومَ عاشوراءَ برُضَعَائِهِ ورُضَعَاءِ ابنتِهِ فاطمةَ فَيَتْفُلُ في أفواهِهِم، ويقولُ لأمَّهاتِهم: لا تُرْضِعوهُم إلى الليل، وكان ريقُهُ - صلى الله عليه وسلم - يجزئهم. وقد اختلفَ العلماءُ رضي الله عنهم، هل كان صومُ يومِ عاشوراءَ قبلَ فرضِ شهرِ رمضانَ واجبًا أم كان سنةً متأكدَةً (١٠)؟ على قولين مشهورين؛ ومذهبُ أبي حنيفةَ أنَّه كان واجبًا حينئذ، وهو ظاهرُ كلام الإمام أحمد وأبي بكر


(١) في آ: "أنا أحق بصوم هذا اليوم".
(٢) رواه أحمد في "المسند" ٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠.
(٣) هو سلمة بن عمرو بن سنان الأكْوَع الأسلمي، صحابي، قيل: شهد مؤتة، وهو من أهل بيعة الرضوان. غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، وكان شجاعًا بطلًا راميًا عدَّاءً، وهو ممن غزا إفريقية في أيام عثمان، له ٧٧ حديثًا، توفي في المدينة سنة ٧٤ هـ، رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري رقم (٢٠٠٧) في الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، وباب إذا نوى بالنهار صومًا؛ وفي خبر الواحد، باب ما كان يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأمراء والرسل واحدًا بعد واحد. ورواه مسلم رقم (١١٣٥) في الصيام، باب مَن أكل في عاشوراء فليكفّ بقية يومه.
(٥) صحيح البخاري رقم (١٩٦٠) في الصوم، باب صوم الصبيان؛ وصحيح مسلم رقم (١١٣٦) في الصيام، باب من أكل في عاشوراء فليكفّ بقية يومه.
(٦) هي الرُّبَيع بنت معَوِّذ بن عفراء الأنصارية، من بني النجار. لها صحبة ورواية، وقد زارها النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عرسها صلة لرحمها. وأبوها من كبار البدريين، قتل أبا جهل. عمِّرت دهرًا، وروت أحاديث. توفيت في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين، رضي الله عنها.
(٧) العهْن: الصوف.
(٨) هي عند مسلم رقم (١١٣٦) في الصيام: باب صوم يوم عاشوراء.
(٩) في آ: "سألوا".
(١٠) في ع: "مؤكدة".

<<  <   >  >>