للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأثْرَم (١). وقال الشافعي رحمه الله: بلْ كانَ متأكّدَ الاستحبابِ فقَطْ، وهو قولُ كثير من أصَحابنَا وغيرِهم.

الحالة الثالثة: أنه لما فُرِضَ صيامُ شهرِ رمضانَ ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَ أصحابِه (٢) بصيام يوم عاشوراءَ وتأكيده فيه، وقد سَبَقَ حديث عائشةَ في ذلك. وفي "الصحيَحين" (٣) عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: "صامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عاشوراءَ وأمَرَ بصيامِهِ، فلمّا فُرِضَ رمضانُ تركَ ذلك". وكان عبد الله لا يصومُه إلَّا أن يوافق صومَه. وفي روايةٍ لمسلم (٤): أن أهلَ الجاهلية كانوا يَصُومُونَ يومَ عاشوراءَ، وأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صامَهُ، والمسلمون، قبلَ أن يُفْرَضَ (٥) رمضانُ، فلمّا فُرِضَ افتُرِض (٦) رمضانُ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عاشُوراءَ يومٌ من أيَّامِ الله؛ فمَنْ شَاءَ صَامَهُ، ومَنْ شَاءَ تَرَكَهُ". وفي رواية (٧) له أيضًا: "فَمَنْ أحَبَّ منكم أن يَصُومَهُ فليصُمْهُ، ومَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ".

وفي "الصحيحين" (٨) أيضًا عن معاوية، قال: سمعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "هذا يومُ عاشوراءَ، ولم يَكْتُب الله عليكم صيامَهُ، وأنا صائمٌ؛ فَمَنْ شاءَ فَلْيَصُمْ، ومَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ". وفي رواية لمسَلم (٩) التَّصريحُ برفع آخرِه. وفي رواية للنسائي (١٠) أن آخره مُدْرَجٌ (١١) من قول مُعَاوِيَةَ، وليس بمرفوعٍ.


(١) هو أحمد بن محمد بن هانئ، الإسكافي الأثرم الطائي، أحد الأعلام، تلميذ الإمام أحمد، ومصنِّف "السنن". مات نحو سنة ٢٦١ هـ.
(٢) في ب، ط: "الصحابة".
(٣) رواه البخاري رقم (١٨٩٢) في الصوم: باب وجوب صوم رمضان، ومسلم رقم (١١٢٦)، وأبو داود رقم (٢٤٤٣)، وانظر "الفتح الباري" ٤/ ٢٤٦.
(٤) صحيح مسلم رقم (١١٢٦).
(٥) في صحيح مسلم "يفترض".
(٦) في ب، ط: "فرض".
(٧) صحيح مسلم رقم (١١٢٦).
(٨) أخرجه البخاري ٤/ ٢٤٤ رقم (٢٠٠٣) في الصوم، واللفظ له؛ ومسلم رقم (١١٢٩).
(٩) مسلم رقم (١١٢٩).
(١٠) أخرجه النسائي ٤/ ٢٠٤ في الصيام: باب صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(١١) الحديث المُدْرَج: هو الهديث الذي اطلع في متنه أو إسناده على زيادة ليست منه، وهو على أقسام: أحدها: مدرج في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأن يذكر الراوي عقيبه كلامًا لنفسه أو لغيره، فيرويه مَنْ بعده متصلا بالحديث من غير فصل، فيُتوهم أنه من الحديث. الثاني: أن يكون عنده متنان بإسنادين، فيرويهما بأحدهما. الثالث: أن يسمع حديثًا من جماعة مختلفين في إسناده أو متنه، فيرويه عنهم باتفاق، ولا يبين ما اختُلِف فيه. قالوا: تعمدُ كل واحد من الثلاثة حرام، وصاحبه ممن يحرِّف الكلِم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين. نعم، ما أدرج لتفسير غريب لا يمنع، ولذلك فعله الزُّهري وغير واحد من الأئمة. (انظر الباعث الحثيث ٨٠، علوم الحديث لابن الصلاح ٨٦ - ٨٩، قواعد التحديث للقاسمي ١٢٤).

<<  <   >  >>