للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد تجشمت مشقة ذلك لعلمي بعد الدراسة والجهد أن هذا الفكر هو أخطر ما يجابه المسلمين في الوقت الحاضر من مشكلات، فمشكلة الفكر الصوفي مشكلة عقائدية، والمشاكل العقائدية هي أخطر ما تقابله الأمة، فالأمة يتحول عملها كله بتحول عقيدتها، فالتتار عندما أسلموا حقيقة، تركوا حرب المسلمين، والمسلمون عندما تركوا الإسلام، وعقيدة الجهاد رضوا بالمستعمرين، وتخلقوا بأخلاقهم، وتثقفوا بثقافتهم.

وهذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ هو بحث في العقيدة الصوفية: ما هي؟ وما الغاية التي تسعى المتصوفة إلى غرسها؟ وما الفروق بين هذه العقيدة وعقيدة أهل السنة؟ وهذه العقيدة أنقلها لك بنصوصها من الكتب والمراجع الصوفية، التي يعتبرها المتصوفة من أنقى كتبهم وأشهرها، كاللمع للطوسي، والتعرف على مذهب أهل التصوف للكلاباذي، وطبقات الصوفية للسلمي، وغير ذلك من الكتب التي كتبت بأقلام رجال التصوف بأنفسهم.

وستعلم من هذه الدراسة أن التصوف عقيدة فلسفية قديمة، نشأت قبل الإسلام في الفلسفة الاستشراقية المنسوبة إلى (أفلوطين) . والفلسفة الهندية القديمة، والتي ما زالت عقيدة الهند إلى اليوم، وهي القول بوحدة الوجود، وهذه العقيدة هي عقيدة كثير من شعراء الفرس قبل الإسلام، وبعد الإسلام كجلال الدين الرومي.

وهذا يعني أن التصوف غير الزهد المعروف في العقيدة الإسلامية، فالزهد شيء، والتصوف شيء آخر، يختلف عنه كل الاختلاف، بل هناك فرق بين الزهد في عقيدة الكتاب والسنة، والزهد في العقيدة الصوفية. فالتصوف فلسفة كاملة، وعقيدة غايتها فتح القلب على علوم غيبية، لا تتلقى عن الرسل، بل تتلقى بطريق (الكشف) عن الله رأسًا، أو عن الرسول (حسب زعمهم) . ثم التحقق بعد ذلك أن لا موجود في الكون إلا الله، وبذلك يصبح العبد هو الرب، والرب هو العبد، بل الكل شيء واحد في الحقيقة، متفرّق في الصور فقط! ! وطريق الوصول إلى هذا العلم الغيبي (الكشف هو المجاهدة

<<  <   >  >>