وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجناد، لخفاء نور الإسلام، واستبدال أكثر الناس بالنور الظلام، وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصار، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار، لهم في القلوب موقع هائل، ولهم فيهم من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل.
قال المخبر: فغدا أولئك الأمراء الأكابر، وخاطبوا فيهم نائب السلطان بتعظيم أمرهم الباهر، وذكر لي أنواعًا من الخطاب، والله تعالى أعلم بحقيقة الصواب، والأمير مستشعر ظهور الحق عند التحقيق، فعاد الرسول، إلي مرة ثانية فبلغه أنّا في الطريق، وكان كثير من أهل الاتحاد مجدين في نصرهم بحسب مقدورهم، مجهزين لمن يعنيهم في حضورهم. فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق في هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع. فذكر لي نائب السلطان وغيره من الأمراء بعض ما ذكروه من الأقوال المشتملة على الافتراء. وقال إنهم قالوا: إنك طلبت منهم الامتحان، وأن يحموا الأطواق نارًا ويلبسوها، فقلت هذا من البهتان.
وها أنا ذا أصف ما كان. قلت للأمير: نحن لا نستحل أن نأمر أحدًا بأن يدخل نارًا، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النار. وفي ذلك الحديث الصحيح. وهؤلاء يكذبون في ذلك، وهم كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم. وذكرت تلبيسهم على طوائف من الأمراء، وأنهم لبسوا على الأمير المعروف بالأيد مري، وعلى قفجق نائب السلطة وعلى غيرها، وقد لبسوا أيضًا على الملك العادل كتغا في ملكه، وفي حالة ولاية حماة، وعلى أمير السلاح أجل أمير بديار مصر، وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم. فذكرت تلبيسهم على الأيد مري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها على طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب. فصنعوا خشبًا طوالًا وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب بأكر الزجاج، فجعلوا يمشون