الفصل الثاني: طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفًا
في الفصل السابق علمنا أن التصوف في بدء نشأته قد جعل غايته ما عبر عنه إبراهيم بن أدهم (بالأثرة لله) ، وأنه في سبيل ذلك يجب أن تتحقق مفارقة الدنيا والانخلاع منها، وعلى هذا الأصل كان تشريع ترك الزواج والتكسب، لأنهما من أسباب القعود عن تحقيق هذه الغاية. وهذا الإله الذي سعى المتصوفة الأولون ومن بعدهم إلى إثاره على كل شيء. لا يستمدون معرفته والعلم بذاته وأفعاله عن طريق الكتاب والسنة، وإنما عن طريق فتح أبواب السماء ـ على حد تعبيرهم ـ بالمجاهدة والسلوك الصوفي، لينكشف لهم وجه الحق، ويعلموه على حقيقته، وعندما نتتبع هذه العقيدة منذ ظهورها إلى أن اكتملت في صورتها النهائية، وحددت تحديدها الأخير، فإننا سنعلم الصورة الكاملة للعقيدة الصوفية في الرب سبحانه وتعالى، والجنة والنار، والرسالات والغيب كله.
أولًا: عبادة الله لذاته
زعم المتصوفة أن العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله وأن يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد، وأن من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد، وقد استدلوا على ذلك بأدلة نذكرها فيما يلي:
١ ـ ذكر أبو بكر الكلاباذي في كتابه (التعرف لمذهب أهل التصوف) وهو الموسوعة الفقهية التي نشرها الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، وشهدا في مقدمة الكتاب بأنه أقدم ما كتب عن هذا العلم ورجاله وأدقه وأصفاه، أقول؛ قال الكلاباذي في بيان المعنى الحق للعبادة، وأنها لا تجوز في حق الصوفي أن تكون عن عوض، قال:" العوض ما لله عليك في العمل في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} "[التوبة: ١١١] ، ولم يكمل الآية ثم