لبيان امتياز المحضرات الصفاتية، لتنفصل مجملاتها، وتبين كمالاتها، وليست المغايرة أمرًا مقصورًا، وإنما لزمت من ظهور حقائق بعض الصفات كالغفور والحليم والمنتقم بوساطة تحقق الذنب.
قال الجنيد: ما انتفعت بشيء كانتفاعي بأبيات سمعتها، وأنا مار ببعض الطرقات منها:
وإن قلت: ما ذنبي إليك؟ ** أجبتني: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
(الفتح ص٤٩)
فالذنب عند النابلسي بمقتضى كلامه السابق هو أن يظن العبد أن له وجودًا مستقلًا عن وجود الله! ! ومن ظن ذلك فقد أفحش وبغى، وقال ما لم يعلم، واستدل على ذلك ببيت الشعر الذي سمعه الجنيد.
ويبالغ النابلسي أكثر من ذلك، فيزعم أن حال الذنب هو القرب من الله، وليس البعد منه. ولذلك يقول بالنص:
" فالمذنب في حال ذنبه أقرب إلى الله منه في حال طاعته "! !
[الفرق بين الصديق والزنديق]
وقد أوضح النابلسي هذه العقيدة الباطنية أكثر من ذلك عندما عقد فصلًا مطولًا قارن فيه بين الزنديق والصديق، وكانت خلاصة هذا الفصل أن الزنديق من يرى أن كفره وفسقه صادر منه فقط، وأنه مستقل بهذا الكفر. وأما الصديق فهو من يرى أن كل أفعال العباد صادرة من الله سبحانه ـ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ـ وأن المؤمن والكافر والفاسق والبار ما هم جميعًا إلا مظاهر مختلفة لحقيقة الرب الموجود وحده، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت}[الملك: ٣] ، فالمؤمن عنده والكافر من خلق الله، ولا فرق بين هذا وذاك، ومن عرف هذه الحقيقة فهو الصديق، ومن جهلها وظن أن الكافر يصنع كفره، ويخلق فعله، ويستقل