وهكذا قلبوا كل موازين العلم، وكل قوانين الشريعة، فالولاية لا شك أنها منحة إلهية وتفضيل وفضل رباني ولكنها لا تنال إلا محلها ممن كان عنده الاستعداد لذلك ومن سعى لنيل درجات القرب من الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ:
(من عادى لي وليًا فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء إلي أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه) ، فجعل الله للولاية طريقًا وهو أداء الفرائض أولًا ثم الإكثار من النوافل حتى يصل المسلم إلى مرحلة القرب من الله سبحانه وتعالى، فيحمي الله سمعه وبصره ويده ورجله، ويجعل ذلك كله في طاعته ومحبته ومرضاته.
ولكن الولاية والفتح والكشف الصوفي بغير ذلك ينال كل هؤلاء. .
الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضرًا
ومما يدلك يقينًا على أن هذا الكشف الصوفي ما هو إلا إلقاء شيطاني هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن مبارك أيضًا عن شيخه الدباغ وأنه كان إذا حضر رجل من أهل التوحيد والإيمان الصحيح ممن لا يؤمن بهذه الخرافات كان وحي الشيخ ينقطع ويعود جاهلًا كما كان لا يتكلم الكلمة.
" قال ـ رضي الله عنه ـ وما مثلت الولي مع القاصدين إلا كحجر بني إسرائيل. فإذا كان بين يدي أولياء الله تعالى انفجرت منه اثنتا عشر عينًا وإذا كان بين أعدائه تعالى لا تخرج منه ولا قطرة واحدة (قلت) وقد شاهدت هذا المعنى في الشيخ ـ رضي الله عنه ـ مرارًا فإذا حضر بين يديه بعض من لا يعتقده لا تخرج منه ولا فائدة واحدة ولا يقدر على التكلم بشيء من العلوم اللدنية والمعارف الربانية حتى يقوم ذلك الشخص ويوصينا ويقول إذا حضر مثل هذا الرجل فلا تسألوني عن شيء حتى يقوم وكنا قبل الوصية جاهلين بهذا الأمر فنسأل الشيخ ونريد أن نستخرج منه النفائس والأسرار الربانية كي يسمعها الرجل