وهل يرى الصوفي من وراء هذا الذكر المبتدع غير طوالع نار الشياطين، وبوارق كيدهم، ولوائح طلوعهم على من جعل له غاية غير غايات الدين وطريقًا غير طريق المؤمنين الذي سنه لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يسن لنا الرسول أن يجلس أحدنا في زاوية مظلمة ولا يجعل على خاطره شيئًا غير الله وينتظر أن ينزل عليه الوحي والكشف. . وبالطبع من جعل له غاية غير غايات الكتاب والسنة تلاعبت به الشياطين وظن أن ما تنزل عليه إنما هو من الله وما هو من الله. . والغزالي الذي قرر هذا الكلام للصوفية وساعد في نشر زندقتهم وكفرهم لم يتقدم فيما أعلمه خطوة أخرى وجعل من تنزل الملائكة على الصوفية وذلك فيما أظن وأعلم أن الرجل يعلم أن من قال بنزول الوحي عليه بعد النبي فقد كفر ولذلك أنكر الغزالي أن تكون الملائكة تنزل على الأولياء والصوفية كما تنزل على الأنبياء، واكتفى بما ذكرناه عنه آنفًا أن الأولياء والصوفية تشرق على قلوبهم هذه العلوم التي يقولونها إشراقًا من الغيب فضلًا من الله لهم ورحمة -في زعمه- بهم. لقد اكتفى الغزالي في تقريره الكشف الصوفي بإشراق العلوم في القلب وسماع الصوت أيضًا كما قال: " الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم فإن لم يكن له مكان مظلم فليلق رأسه بجيبه، أو يتدثر بكساء أو إبراز ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال - الحضرة البوبية) (إحياء علوم الدين ج٢ ص٦٦) .
وعلى الرغم من أن الغزالي جارى الصوفية في مزاعمهم هذه، وقرر ما ابتدعوه من الخلوة والظلام ولف الرأس وانتظار العلوم إلا أن إنكاره نزول الملك على الصوفي لم يعجب كبار الصوفية، وأهل الحقيقة منهم، ولذلك عنفوه وجهلوه وجعلوا هذا منه لقلة الذوق وعدم التحقق بنفسه وعدم مقابلته لمن هو أعلى منه مقامًا، وأحسن منه حالًا، وأنه لو التقى بمن هو أعظم منه وأكبر منه في هذا الطريق لعلم أن الملائكة ينزلون على أولياء الصوفية تمامًا كما ينزلون على الأنبياء وأنه لا فرق إلا في نوع العلوم فقط لا في كيفية النزول