الله عمله أو لا. . وأما الولي الصوفي فهو رب كبير أو صغير يتصرف في جانب من جوانب الكون ولا يلتزم بشريعة لأن له شريعته المستقلة، والملائكة تحت مشيئته والسماوات والأرض كالخلخال برجله! ! ولا يغرب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا خوف عليه مطلقًا لأنه قد جاءه الأمان، ولا يحزن لشيء مطلقًا لأن بيده التصريف. . هذه هي الولاية الصوفية. والحق أن الذي قرأ شيئًا من الفلسفة الإغريقية القديمة يعلم يقينًا أن فكرة الولاية الصوفية هذه منقولة عن هذه الفلسفة فآلهة الإغريق قديمًا ـ كما صورتها الإلياذة والأوديسيا ـ يتصرفون في الكون ولكل منهم جانب خاص من جوانب العالم، (فمارس) هو إله الحرب، (وكيوبيد) هو إله الحب و (افروديت) هي إلهة الجمال، و (أبوللو) هو رب الأرباب وهكذا. .
إن فكرة تعدد الآلهة عند الإغريق وتصرفهم في الكون هي فكرة الولاية الصوفية تمامًا حيث يعبث هؤلاء الولاية الصوفيون بمصائر البشر، ويتحكمون في أرزاقهم وأعمالهم، ويتصارعون أيضًا ويتنافسون كما يصنع آلهة الإغريق تمامًا. .
والآن اصحبني أيها القارئ لأريك نصوص المتصوفة وعباراتهم، وخيالاتهم في وصف ولايتهم الصوفية:
أول من ألف كتابًا مستقلًا في الولاية الصوفية هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه الحكيم، وهو غير الترمذي صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي، وقد نشأ (الحكيم) هذا في أواخر القرن الثالث الهجري، وهو مجهول سنة الولادة والوفاة. وكتابه الذي أشرنا إليه يسمى (خاتم الأولياء)(راجع الفصل بختم الولاية الصوفية) . .
والمهم هنا أن الترمذي هذا رسم الملامح الخيالية الزندقية للولاية الصوفية ومن أجل هذا الكتاب شهد علماء زمانه بالزندقة والكفر ونفوه من بلده (ترمذ) كما أخبر بذلك صاحب الطبقات الصوفية أبو عبد الرحمن السلمي، وادعى الترمذي هذا في الولاية ما تابعه بعد ذلك عامة الصوفية عليه من أن الولاية وهب ومنحة إلهية لا كسب وموجدات، وأن الولي يعلم علم البدء