٥ ـ وحتى يتم تذليل المريد تذليلًا كاملًا ويلغي عقله إلغاءً تامًا فإن شيخه يأمره بأوامر في غاية الغرابة بل فيها المعصية الواضحة والكفر الصريح امتحانًا لطاعته، ومعرفة من الشيخ هل بقي من المريد مسكة عقل، أو أثارة علم، أو بقية غيرة أو دين غير الدين الصوفي الباطني فبعضهم يأمرون مريدهم بإحضار زوجاتهم لشيوخهم ليختلي بهن فإن تلكأ أو شك في عفة الشيخ علم أنه غير صادق وشيخ آخر يأمر تلاميذه ومريديه بما هو أقبح من ذلك وهذه بعض حكاياتهم في هذا الصدد.
يقول أحمد بن مبارك مبينًا كيف يكون المريد صادقًا مع شيخه مطيعًا له ولو أمره بقتل والديه يقول:" سمعت من الشيخ ـ رضي الله عنه ـ قال كان لبعض المشايخ مريد صادق فأراد أن يمتحن صدقه يومًا فقال له يا فلان أتحبني قال نعم يا سيدي فقال أرأيت إن أمرتك أن تأتيني برأس أبيك أتطيعني فقال يا سيدي فكيف لا أطيعك ولكن الساعة ترى فذهب من حينه وكان ذلك بعد أن رقد الناس فتسور جدار دارهم وعلا فوق السطح ثم دخل على أبيه وأمه في منزلهما فوجد أباه يقضي حاجته من أمه فلم يمهله حتى يفرغ من حاجته ولكن برك عليه وهو فوق أمه فقطع رأسه وأتى به للشيخ وطرحه بين يديه فقال له ويحك أتيتني برأس أبيك فقال يا سيدي نعم أما هو هذا فقال ويحك إنما كنت مازحًا فقال له المريد أما أنا فكل كلامك عندي لا هزل فيه فقال له الشيخ ـ رضي الله عنه ـ انظر هل هو رأس أبيك فنظر المريد فإذا هو ليس برأس أبيه فقال له الشيخ رأس من هو فقال له رأس فلان العلج قال وكان أهل مدينتهم يتخذون العلوج كثيرًا بمنزلة العبيد السودانيين قال وكان أبوه غاب تلك الليلة فخانته زوجته في الفراش وواعدت عليه كافرًا ومكنته من نفسها وكوشف الشيخ (رضي الله عنه) بذلك فأرسل المريد ليقتله على الصفة السابقة ليمتحن صدقه فعلم أنه جبل من الجبال فكان وارث سره والمستولي بعده على فتحه والله الموفق "(الإبريز ص١٨٦) .