مواضعها موضوعة في غير أماكنها فتنزل عليهم الشياطين لذلك وتعبث بعقولهم وأفئدتهم وهذا ما عناه القشيري من أن المريد إذا شرع في الذكر فلا بد أن يرى شيئًا من ذلك فعليه كما زعم أن لا ينظر إلى شيء من ذلك البتة لأن كما قال شواغل الحق وهو يريد أن يرى الله وأن يصلي إلى الله نفسه لا إلى هذه الأمور العارضة. . وعليه بعد رؤيته لهذه الأمور أن يحكيها لشيخه ولا يخفيها عنه. .
فهذا أحمد بن المبارك يصف حال المريد مع شيخه وينقل كلام شيخه عبد العزيز الدباغ لهم فيقول:
" وكان (رضي الله عنه) يقول: لا تكتموا عني شيئًا من الأمور التي تنزل بكم في الدين والدنيا وأخبرونا حتى بالمعاصي التي تقع لكم وإن لن تخبروني أخبركم فإنه لا خير في صحبة يستر معها شيء من أحوال المتصاحبين وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول أما أنا فلا أكتم عنكم شيئًا من أموري ثم يشرح لنا ـ رضي الله عنه ـ حاله حتى بلغ ذلك ويذكر لنا جميع ما وقع له من العاديات وغيرها، ويقول لنا (رضي الله عنه) إن لم أخبركم ولم أطلعكم على أحوالي فإن الله يعاقبني ويحاسبني لأنكم تظنون بي الخير فاصبروا حتى أذكر لكم الأمور الباطنية التي لم تطلعوا عليها فمن شاء منكم بعد ذلك أن يبقى معي فليبق وحينئذ يحل لي أكل طعامه وقبول هديته ومن شاء أن يذهب فليذهب فإن سكوتي عن ذكر تلك الأمور غش لكم وما كان ـ رضي الله عنه ـ لأصحابه إلا رحمة محضة يشفع لهم في زلاتهم ويتكفل لهم بنوائبهم ويتحلل لهم ما يخشون عاقبته ويهتم لأمرهم أكثر مما يهتم لأموره. وقال لي ـ رضي الله عنه ـ ذات يوم الرجل الذي لا يشاطر صاحبه في سيئاته ما هو بصاحب له وقال إن لم تكن الصحبة إلا على الحسنات فما هي بصحبة. وبالجملة فما كان ـ رضي الله عنه ـ لأصحابه إلا رحمة مرسلة من الله عز وجل فعلى مثله يبكي الباكون ولو رمنا تفصيل أعيان الجزئيات الواقعة لنا معه ولغيرنا في هذا الباب لطال الكلام " ا. هـ. (الإبريز ص٢١٢) .