وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص، فقلت: لا! حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فأظهر الوهم على عادتهم فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبًا أو قال حزمة حطب. فقلت هذا تطويل وتفريق للجمع؛ ولا يحصل به مقصود؛ بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فيه بعد الغسل؛ ومن احترقت إصبعه فعليه لعنة الله؛ أو قلت: فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل. وذكر لي أن وجهه أصفر.
ثم قلت لهم: ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء، ومشيتم على الماء، ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع، ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر؛ وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلًا ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب.
وذكرت قول أبي يزيد البسطامي: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي، وذكرت عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي أتدري ما قال صاحبنا يعني الليث بن سعد؟ قال: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به. فقال الشافعي: لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به؛ وتكلمت بهذا ونحوه بكلام بعد عهدي به. ومشايخهم يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادعوه من النار مرة بعد مرة وهم لا يجيبون، وقد اجتمع عامة مشايخهم الذي في البلد والفقراء المولهون منهم، وهم عدد كثير، والناس يضجون في الميدان، ويتكلمون بأشياء لا أضبطها.
فذكر بعض الحاضرين أن الناس قالوا ما مضمونه:{فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}[الأعراف: ١١٨: ١١٩] . وذكروا أيضًا أن هذا الشيخ يسمى عبد الله الكذاب. وأنه الذي قصدك مرة فأعطيته ثلاثين درهمًا،