المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها. وكان قد قال بعضهم: نحن نتوب الناس، فقلت: مما ذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق، والسرقة، ونحو ذلك. فقلت: حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقًا يعتقدون تحريم ما هم عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة. فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.
قلت مخاطبًا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلًا يدعى حمارًا، وكان يشرب الخمر، وكان يُضحك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان كلما أتي به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلده الحد فلعنه رجل مرة. وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ ! فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:[لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله] . قلت: فهذا الرجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك فنهى عن لعنه.
وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما ـ دخل حديث بعضهم في بعض ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقسم، فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(يخرج من ضئضئي هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وفي رواية (لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل) وفي رواية (شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوا) .
(قلت) : فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وقيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة