عدت فركضت الثانية، ففعل بي مثل ذلك ثلاث مرات، ثم هتف بي هاتف من قربوس (قربوس: كحلزون، حنو السرج ومنعطفه، وهما قربوسان) السرج: والله ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت. قال: فنزلت فصادفت راعيًا لأبي يرعى الغنم، فأخذت جبته الصوف، فلبستها ودفعت إليه الفرس، وما كان معي، وتوجهت إلى مكة فبينما أنا في البادية، إذ أنا برجل يسير ليس معه إناء ولا زاد، فلما أمسى وصلى المغرب، حرك شفتيه بكلام لم أفهمه، فإذا أنا بإناء فيه طعام، وإناء فيه شراب، فأكلت وشرب، وكنت معه على هذا أيامًا، وعلمني (اسم الله الأعظم) ثم غاب عني وبقيت وحدي، فبينما أنا ذات يوم مستوحش من الوحدة، دعوت الله به، فإذا أنا بشخص آخذ بحجزتي وقال: سل تعطه! ! فراعني قوله، فقال: لا روع عليك أنا أخوك الخضر، إن أخي داود علمك اسم الله الأعظم، فلا تدعو به على أحد بينك وبينه شحناء، فتهلكه هلاك الدنيا والآخرة، ولكن ادعُ الله أن يشجع به جبنك ويقوي به ضعفك، ويؤنس به وحشتك، ويجدد في كل ساعة رغبتك، ثم انصرف وتركني " (طبقات السلمي (٢٩ ـ ٣١)) .
وهذا خبر آخر:
٢ ـ " سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت علي بن الحسن بن أحمد المصري يقول: سمعت أحمد بن عيسى الخراز يقول: حدثني غير واحد من أصحابنا منهم: سعيد بن جعفر الوراق، وهارون الآدمي، وعثمان النجار، قالوا: حدثنا عثمان بن عمارة قال حدثني إبراهيم بن أدهم عن رجل من أهل الإسكندرية يقال له أسلم بن يزيد الجهني قال: لقيته بالإسكندرية فقال لي: من أنت يا غلام؟ قلت: شاب من أهل خراسان. قال: وما حملك على الخروج من الدنيا؟ قلت زهدًا فيها، ورجاء لثواب الله تعالى. فقال: إن العبد لا يتم رجاؤه لثواب الله تعالى حتى يحمل نفسه على الصبر. فقال رجل ممن كان معه: وأي شيء الصبر؟ فقال: إن أدنى منازل الصبر أن يروض العبد نفسه على احتمال مكاره الأنفس. قال: قلت: ثم مه؟ قال: إن كان