كلام خرج من قربوس السرج، ولست مناقشًا الآن صحة هذه الدعوى أو بطلانها، ولكني أريد أن أذكر الآن أن هذا طريق للهداية يغاير ويخالف الطريق الذي جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالهداية في الإسلام إنما تكون دائمًا عن طريق كتاب الله الذي أنزل للناس هدى ونورًا. والدعوة إلى الإيمان في شريعة الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما تكون بالحجة والإقناع، وبتقديم الدليل على إعجاز القرآن وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ثانيًا: الهداية التي ادعاها أبو عبد الرحمن السلمي لإبراهيم بن أدهم قد حملته على ترك أبيه وأمه وبلدته وخلع ثيابه، (وترك الدنيا) على حد التعبير، وليس ملابس الصوف التي كانت على جسم الراعي، ومن سمي هذا المنهج بالتصوف، وليس من شروط الهداية في الإسلام أن يترك المهتدي الدنيا، ويفر بدينه من وطنه، إلا إذا قابل فيه اضطهادًا أو منعًا من أداء الشعائر، أو كان في بلد كثير المعاصي وأراد النقلة إلى بلد آخر يكثر فيه الصالحون، ولم تكن (بلخ) التي هجرها إبراهيم كذلك؛ لأنه جاء في حكايته أنها مسكن (داود) وأن البقاع قد تفاخرت بكينونة داود فيها، هكذا قال، فكيف تترك هذه البقعة الطيبة، والقرية التي سميت (الباردة الطيبة) التي يسكن فيها داود ويخرج إلى البراري والقفار، وليس من سبب شرعي لهذا التحول؟
ثالثًا: جاء في الحكاية أن إبراهيم لقي رجلًا بالبادية يسير، وليس معه زاد ولا طعام، وأنه صاحبَه، وكان يطعمه من الطعام الذي يأتيه هكذا من الغيب، وأن هذا الرجل علمه اسم الله الأعظم، ثم أخبر أن هذا الرجل إنما هو داود ـ عليه السلام ـ وأنه لما دعا باسم الله الأعظم حضر الخضر إليه في الحال، وسأله عن طلبه.
ولست أدري شرعًا ما الذي يدعو داود ـ عليه السلام ـ أن يعود إلى الدنيا، (إن كان ذلك في مكنته) ويتجاوز حدود رسالته ونبوته، ليعلم رجلًا من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسم الله الأعظم، مع العلم أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمر:(والله لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا أن يتبعني) فكذلك لو عاد