المجلد الأول من (جواهر المعاني) مسروقًا كله من كلام الشيخ المذكور ففارقته. وبعد أيام كنت جالسًا عند الشيخ عمر بن الخياط بائع الكتب بقرب القرويين فقال لي: هل اجتمعت بالأستاذ الشيخ محمد بن العربي العلوي، فقلت: لا، فقال لي: هذا الرجل من أفضل علماء فاس وعنده خزانة كتب لا يوجد مثلها في فاس وأثنى عليه بالعلم والأدب فقلت له أنا لا أجالس هذا الرجل ولا أجتمع به لأنه يبغض الشيخ أحمد التجاني ويطعن في طريقته فقال لي: إن طالب العلم يجب أن يتسع فكره وخلقه لمجالسة جميع الناس وبذلك يتسع علمه وأدبه ولا يجب عليه أن يقلدهم في كل ما يدعون، يأخذ ما صفا ويدع ما كدر، وإن لم تجتمع بهذا الرجل يفوتك علم وأدب كثير فذهبت إليه لأجتمع به، وكان قاضيًا في محكمة فاس الجديدة فنظمت أربعة أبيات لا أحفظ منها إلا شطر البيت الرابع وهو (وهذا مدى قصدي وما أنا مستجد) . . أعني أن غرضي بالاجتماع بك المذاكرة العلمية فهي غاية قصدي وإن اعتبرنا ما موصولة يكون المعنى والذي أستجديه أي أطلبه وإن اعتبرناها نافية تميمية يكون المعنى ولست مستجديًا أي طالبًا مالًا، فلما خرج من المحكمة وأراد أن يركب بغلته التي كانت على باب المحكمة ولجامها بيد خادمه تقدمت إليه وأعطيته الصحيفة التي فيها الأبيات فلما قرأها رحب بي، وقال لطالب كان يرافقني وهو الحاج محمد بن الشيخ الأراري: أنت تعرف بيتنا، فقال: نعم، قال: فأتى به على الساعة التاسعة صباحًا، فخرجت مع الرفيق المذكور من مدرسة الشراطين، وكان يسكن فيها على الساعة الثامنة والنصف، لنصل إلى الشيخ على الساعة التاسعة، وكان ذلك اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهو عيد عند المغاربة وكثير من البلدان الإسلامية وفي المغرب طائفة يسمون (العيساويين) أتباع الشيخ بن عيسى المكناسي، وهؤلاء لهم موسم في كل سنة يجتمعون فيه في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ويأتون من جميع أنحاء المغرب، فيضربون طبولهم ومزاميرهم، ويترنمون بأناشيدهم إلى أن يظهر للناس أنهم أصيبوا بالجنون وحينئذ يفترسون الغنم والدجاج بدون زكاة بل يقطعونه بأظافرهم ويأكلون لحمه نيئًا والدم يسيل منه وقد ملأوا أزقة فاس وهي