من التلبيس ـ لأن الله أمره في السماء أن ينظر إليه، فما نظر، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{ما زاغ البصر وما طغى}[النجم: ١٧] . والآية في أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، وأن البصر ما زاغ ولا طغى، وهو ينظر إلى جبريل (فانظر كيف حول الحلاج الآية عن معناها، وأن المقصود بها هو: ما زاغ البصر أي ما نظر إلى الله، لأنه ليست هناك ذات مستقلة لله ـ تبارك وتعالى ـ في زعم الصوفية، بل ذاته هي ذات موجوداته. انظر هذا في كلام النابلسي الآتي) .
وأما الدليل الآخر الذي ساقه الحلاج، فهو قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(اللهم بك أصول وبك أجول وبك أقول)(هو جزء محرف من حديث رواه أبو داود في (سننه ٢٦٣٢) عن أنس بن مالك، ولفظه: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول، وبك أصول، وبك أقاتل) وصحح إسناده أستاذنا الألباني في (تخريج الكلم الطيب ص٧٥) كما رواه ببعض اختصار الترمذي (٢/٢٧٨) وحسنه، وأحمد (٦/١٦)) والمعنى الذي هو مراد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا يستطيع أحد أن يفعل خيرًا، أو يوفق إلى خير إلا بحول الله وقوته ولكن الحلاج قلب هذا المعنى إلى عقيدته الخبيثة في الرب جل وعلا، وجعل معناها أن الرسول قال ذلك لأنه كان متحققًا أنه هو هو، أي أنه هو الله! ! .
وأما موسى في نظر الحلاج فلم يكن على معرفة بحقيقة الرب، ولذلك قال له:{رب أرني أنظر إليك}[الأعراف: ١٤٣] .
ولقد كان من الجرأة بمكان أن يظهر الحلاج دعوته وعقيدته على هذا النحو من الصراحة والوضوح، ولقد كان يعاصره عدد كبير من المتصوفة في العراق وإيران والشام، ولكنهم قنعوا بالإشارات والرموز إلى عقيدتهم، ولم يقنع هو إلا بالتصريح، وقد سمى هو هذا المقام الذي وصل إليه مقام الفتوة، وفي ذلك يقول:
" تناظرت مع إبليس وفرعون في الفتوة (الفتوة التي عناها الحلاج هنا هي الجرأة في إظهار معتقده، وأستاذه في ذلك كما يقول إبليس وفرعون! !) ، فقال إبليس: إن سجدت سقط