للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنت في العلم فالزم مكانك " أي إن كنت قد وصلت إلى حقيقة معتقد التصوف فالزم هذا المكان، وأظهر ما تعتقد. والحلاج هنا لم ينكر على الجنيد معصية شرعية ظاهرة، ولكنه أنكر عليه إظهاره من علوم الشريعة للعامة ما يخالف ما وصل إليه من عقيدة التصوف، ولذلك احتجب عن الناس شهرًا لا يكلمهم، ولم يستطع الجنيد أن يظهر ما أظهر الحلاج، لأنه كان يعلم نهاية الإفصاح عن حقيقة المعتقد.

ولذلك روى أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته في ترجمة الشبلي أن الجنيد قال للشبلي " لو رددت أمرك إلى الله لاسترحت " فقال الشبلي: " يا أبا القاسم لو ردّ الله أمرك إليك لاسترحت " فقال الجنيد: " سيوف الشبلي تقطر دمًا! ! " (الطبقات ص٣٤٣) .

والمعنى الذي عناه الجنيد في كلامه للشبلي أنه إذا استسلم لأمر الله، واسترسل معه كما يقولون: التصوف الاسترسال مع الله (يعني المتصوفة بهذا القول أن لا يكون لك اختيار وفعل، بل تترك مشيئة الرب تسيرك، وهذا معناه هدم الإرادة البشرية وترك الوسائل كلها) أي ترك الاختيار معه لاسترحت وهدأت.

فرد الشبلي عليه بعكس العبارة وبالمعنى نفسه! ! ومعنى عبارة الشبلي أن الله قد جبر العبد وأقامه بما هو فيه، ولم يردّ أمره إليه، بل جعل أمر العبد إليه هو، ولو رد أمر العبد إلى نفسه لاستراح، واختار ما يحلو له. وكانت عبارة الشبلي للدلالة على المعنى أصرح من عبارة الجنيد، ولذلك قال الجنيد ردًا على ذلك: سيوف الشبلي تقطر دمًا. أي أنه بهذا التصريح عن معتقده سيعرض نفسه للقتل! !

ومما يدل على ذلك أن الحلاج عندما أحضر للقتل والصلب جمعت المتصوفة، وأرغموا على النيل من الحلاج وسبه، وكان ممن أحضروا لذلك الشبلي، وضعوا المنديل في رقبته، وسحبوه إلى الحسين بن منصور الحلاج

<<  <   >  >>