ملكه إلا ما شاء، وهو سبحانه وتعالى القادر على منع الكافر من الكفر، والفاجر من الفجور، ولكنه الابتلاء والاختيار والتكليف:{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا}[يونس: ٩٩] ، وقد جعل سبحانه وتعالى الهداية حقًا عليه لمن جاهد في سبيلها، قال تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت: ٦٩] . وقال:{فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}[الليل: ٦] . وجعل سبحانه وتعالى الضلال أيضًا ثمرة للسعي في طريقه، والحيدة عن هدى الله. قال تعالى:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}[الصف: ٥] . وقال تعالى:{ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}[الأنعام: ١١٠] .
وقال ـ عز وجل ـ:{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين}[الزخرف:] . وقال تعالى:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}[الشورى: ٣٠] . إلى آخر الآيات التي تدل على أن الرب ـ تبارك وتعالى ـ لا يعجل الشر ابتداء، ولكنه يعاقب به جزاء، وسبحانه وتعالى أن يبدأ الإنسان بالشر، تعالى ربنا عن ذلك علوًا كبيرًا.
فهؤلاء لم يفهموا هذه العقيدة الشرعية التي بينها الله في كتابه أتم البيان، وشرحها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غاية الشرح. ظنوا ـ وخابت ظنونهم ـ أن الشر والمعاصي والفجور مرادة الله ـ تبارك وتعالى ـ إرادة حب وقبول ورضى، فقالوا ما قالوا، ولم يعلموا أنها مرادة لله أن تقع في ملكه فقط، فليست تفعل من فاعليها رغمًا عن الله سبحانه وتعالى، وعجزًا عن دفعها ومنعها، وحاشاه ربنا سبحانه وتعالى عن ذلك، ولكنها إرادة وقوع، ومشيئة إذن وسماح، ووراء ذلك كله العقوبة لأهلها في الدنيا والآخرة، والمذمة واللعنة والطرد والإبعاد لأهلها، وحاشا الله أن ينسب هذا إليه [والشر ليس إليك](هو جزء من حديث رواه مسلم في (صحيحه ـ ٦/٥٧ ـ ٥٩ بشرح النووي) وأبو داود (٧٦٠) وأحمد وغيرهم، وأوله:(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا. .) وهو من أدعية استفتاح الصلاة المأثور عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ) .