للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من تفاوت} [الملك: ٣] ، (انظر كيف قطع النابلسي هذا المقطع من الآية عن موضعه، فبدل معناه، وموضعه هكذا: {الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور} [الملك: ٣] . والتفاوت المقصود هنا هو التفاوت في خلق السماوات والأرض، لا في فعل البشر، لأن كل عاقل يعلم أن فعل البشر متفاوت، فكم بين الإيمان والكفر من تفاوت! !) {الله خالق كل شيء} [الرعد: ١٨] ، فلا يكلف إلى الفرق والتمييز حينئذ، وهو صادق في حكمه بذلك التساوي، لأنه مأمور بالإيمان بذلك.

وأما من نظر إليهم من حيث ذواتهم، وما هم عليه من الأحوال، فحكمه بالتساوي بينهم خطأ محض وجهل. قال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} [القلم: ٣٥: ٣٦] . وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [ص: ٢٨] . وإنما يكلف إلى الفرق والتمييز حينئذ، وهو كاذب في حكمه بالتساوي بينهم، قد يشتبه كلام الصديق بالزنديق، والقصد هو الفارق، ويعرف ذلك من كلام آخر في موضع آخر كقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي (رضي الله عنه) من أبيات الفتوحات المكية:

عقد البرية في الإله عقائدًا ** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه

ومراده جميع ما اعتقدوه من حيث صدور ذلك عن الصانع القديم، فإن جميع ذلك آثار دالة عليه تعالى، لا من حيث صدور ذلك عن المعتقدين لأنها من حيث هم دالة عليهم لا عليه، وعقيدة أهل الاختصاص فيها الغفلة عن الآثار، والنظر إلى المؤثر، يعلم ذلك في مواضع شتى في كلامه " (الفتح ص٨٥ ـ ٨٦) .

وبهذا النقل المطول عن الشيخ النابلسي تتضح أمامنا الآن صورة العقيدة

<<  <   >  >>