ولأنه تلحقه الوحشة بمفارقة الوطن والثاني: ليس بإكراه لتساوي البلاد في حقه وإذا أكره على الطلاق فنوى الإيقاع ففيه وجهان: أحدهما: لا يقع لأن اللفظ يسقط حكمه بالإكراه وبقيت النية من غير لفظ فلم يقع بها الطلاق والثاني: أنه يقع لأنه صار بالنية مختاراً.
فصل: وإن قال الأعمى لامرأته أنت طالق وهولا يعرف معناه ولا نوى موجبه لم يقع الطلاق كما لو تكلم بكلمة الكفر وهولا يعرف معناه ولم يرد موجبه وإن أراد موجبه بالعربية ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول الماوردي البصري أنه يقع لأنه قصد موجبه فلزمه حكمه والثاني: وهو قول الشيخ أبي أحمد الإسفرايني رحمه الله أنه لا يصح كما لا يصير كافراً إذا تكلم بالكفر وأراد موجبه بالعربية.
فصل: ويملك الحر ثلاث تطليقات لما روى أبو رزين الأسدي قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت قول الله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩] فأين الثلاث؟ قال: تسريح بإحسان الثالثة ويملك العبد طلقتين لما روى الشافعي رحمه الله أن مكاتبا لأم سليمة طلق امرأته وهي حرة تطليقتين وأراد أن يراجعها فأمره أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان رضي الله عنه فيسأله فذهب إليه فوجده آخذاً بيد زيد بن ثابت فسألهما عن ذلك فابتدراه وقالا حرمت عليك حرمت عليك.
فصل: ويقع الطلاق على أربعة أوجه: واجب ومستحب ومحرم ومكروه فأما الواجب فهو في حالتين: أحدهما: إذا وقع الشقاق ورأى الحكمان الطلاق وقد بيناه في النشوز والثاني: إذا آلى منهما ولم يفئ إليهما ونذكره في الإيلاء إن شاء الله تعالى وأما المستحب فهو في حالتين: إحداهما إن كان يقصر في حقها في العشرة أوفي غيرها فالمستحب أن يطلقها لقوله عز وجل: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: ٢] ولأنه إذا لم يطلقها في هذه الحال لم يؤمن أن يفضي إلى الشقاق أو إلى الفساد والثاني: أن لا تكون المرأة عفيفة فالمستحب أن يطلقها لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن إمرأتي لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلقها". ولأنه لا يأمن أن تفسد عليه الفراش وتلحق به نسبا ليس منه.