[ص: ٤٤] ويخالف ما قاله الشافعي رحمه الله في المشيئة لأنه ليس الظاهر وجود المشيئة فإذا لم تكن مشيئة حنث بالمخالفة والظاهر إصابته بالجميع فبر وإن حلف ليضربنه مائة مرة فضربه بالمائة المشدودة لم يبر لأنه لم يضربه إلا مرة فإن حلف ليضربنه مائة ضربة فضربه بالمائة المشدودة دفعة واحدة فأصابه الجميع ففيه وجهان: أحدهما: لا يبر لأنه ما ضربه إلا ضربة ولهذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة إلى الجمرة لم يحتسب له سبعا والثاني: أنه يبر لأنه حصل بكل سوط ضربة ولهذا لو ضرب به في حد الزنا حسب بكل سوط جلدة.
فصل: وإن حلف لا يهب له فأعمره أو أرقبه أو تصدق عليه حنث لأن الهبة تمليك العين بغير عوض وإن كان لكل نوع منها اسم وإن وقف عليه وقلنا إن الملك ينتقل إليه حنث لأنه ملكه العين من غير عوض وإن باعه وحاباه لم يحنث لأنه ملكه بعوض وإن وصى به لم يحنث لأن التمليك بعد الموت والميت لا يحنث.
فصل: وإن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث لأن الكلام لا يطلق في العرف إلا على كلام الآدمي وإن حلف لا يكلم فلاناً فسلم عليه حنث لأن السلام من كلام الآدميين ولهذا تبطل به الصلاة فإن كلمه وهو نائم أو ميت أوفي موضع لا يسمع كلامه لم يحنث لأنه لا يقال في العرف كلمه وإن كلمه في موضع يسمع إلا أنه لم يسمع لاشتغاله بغيره حنث لأنه كلمه ولهذا يقال كلمه فلم يسمع وإن كلمه وهو أصم فلم يسمع الصمم ففيه وجهان: أحدهما: يحنث لأنه كلمه وإن لم يسمع فحنث كما لو كلمه فلم يسمع لاشتغاله بغيره والثاني: لا يحنث وهو الصحيح لأنه كلمه وهولا يسمع فأشبه إذا كلمه وهو غائب وإن كاتبه أو راسله ففيه قولان: قال في القديم يحنث وقال في الجديد لا يحنث وأضاف إليه أصحابنا إذا أشار إليه فجعلوا الجميع على قولين: أحدهما: يحنث والدليل عليه قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً}[الشورى: ٥١] فاستثنى الوحي وهو الرسالة من الكلام فدل على أنها منه وقوله عز وجل: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً}[آل عمران: ٤١] فاستثنى الرمز وهو الإشارة من الكلام فدل على أنها منه ولأنه وضع لإفهام الآدميين فأشبه الكلام والقول الثاني أنه لا يحنث لقوله عز وجل: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ