للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم: ٢٦] ثم قال: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم: ٢٨ - ٢٩] فلو كانت الإشارة كلاما لم تفعله وقد نذرت أن لا تكلم ولأن حقيقة الكلام ما كان باللسان ولهذا يصح نفيه عما سواه بأن تقول ما كلمته وإنما كاتبته أو راسلته أو أشرت إليه ويحرم على المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام لقوله عليه السلام: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام والسابق أسبقهما إلى الجنة" ١. وإن كاتبه أو راسله ففيه وجهان: أحدهما: لا يخرج من مأثم الهجران لأن الهجران ترك الكلام فلا يزول إلا بالكلام والثاني: وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة أنه يخرج من مأثم الهجران لأن القصد بالكلام إزالة ما بينهما من الوحشة وذلك يزول بالمكاتبة والمراسلة.

فصل: وإن حلف لا يسلم على فلان فسلم على قوم هو فيهم ونوى السلام على جميعهم حنث لأنه سلم عليه وإن استثناه بقلبه لم يحنث لأن اللفظ وإن كان عاماً إلا أنه يحتمل التخصيص فجاز تخصيصه بالنية وإن أطلق السلام من غير نية ففيه قولان: أحدهما: أنه يحنث لأن سلم عليهم فدخل كل واحد منهم فيه والثاني: أنه لا يحنث لأن اليمين يحمل على المتعارف ولا يقال في العرف لمن سلم على الجماعة وفيهم فلان إنه كلم فلانا وسلم على فلان وإن حلف لا يدخل على فلان في بيت فدخل على جماعة في بيت هو فيهم ولم يستثنه بقلبه حنث بدخوله عليهم وإن استثنى بقلبه عليهم ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يحنث كما لو حلف لا يسلم عليه فسلم عليهم واستثناه بقلبه والثاني: أنه يحنث لأن الدخول فعل لا يتميز فلا يصح تخصيصه بالاستثناء والسلام قول فجاز تخصيصه بالاستثناء ولهذا لو قال سلام عليكم إلا على فلان صح وإن قال دخلت عليكم إلا على فلان لم يصح.

فصل: وإن حلف لا يصوم أولا يصلي فدخل فيهما حنث لأنه بالدخول فيهما يسمى صائما ومصليا وإن حلف لا يبيع أولا يتزوج أولا يهب لم يحنث إلا بالإيجاب والقبول ومن أصحابنا من قال: يحنث في الهبة بالإيجاب من غير قبول لأنه يقال وهب له ولم يقبل والصحيح هو الأول لأن الهبة عقد تمليك فلم يحنث فيه من غير إيجاب


١ رواه البخاري في كتاب الأدب باب ٥٧، ٥٧. مسلم في كتاب البر حديث ٢٣، ٢٥. الترمذي في كتاب البر باب ٢١، ٢٤. أحمد في مسنده ١/١٧٦، ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>