غسله فإن عجل واستوفى بآلة كالة أو بآلة مسمومة عزر فإن طلب من له القصاص أن يستوفي بنفسه فإن كان في الطرف لم يمكن منه لأنه لا يؤمن مع قصد التشفي أن يجني عليه بما لا يمكن تلافيه وإن كان في النفس فإن كان يكمل للاستيفاء بالقوة والمعرفة مكن منه لقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}[الإسراء: ٣٣] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية" ١. لأن القصد من القصاص التشفي ودرك الغيظ فمكن منه وإن لم يكمل للاستيفاء أمر بالتوكيل فإن يكن من يستوفي بغير عوض استؤجر من خمس المصالح من يستوفي لأن ذلك من المصالح وإن لم يكن خمس أو كان ولكنه يحتاج إليه لما هو أهم منه وجبت الأجرة على الجاني لأن الحق عليه فكانت أجرة الاستيفاء عليه كالبائع في كيل الطعام المبيع فإن قال الجاني أقتص لك بنفسي ولا أؤدي الأجرة لم يجب تمكينه لأن القصاص أن يؤخذ منه مثل ما أخذ ولأن من لزمه إيفاء حق لغيره لم يجز أن يكون هو المستوفي كالبائع في كيل الطعام المبيع فإن كان القصاص لجماعة وهم من أهل الاستيفاء وتشاحوا أقرع بينهم لأنه لا يجوز اجتماعهم على القصاص لأن في ذلك تعذيباً للجاني ولا مزية لبعضهم على بعض فوجب التقديم بالقرعة.
فصل: وإن كان القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}[الإسراء: ٣٣] وفي قتل الحامل إسراف في القتل لأنه يقتل من قتل ومن لم يقتل وروى عمران بن الحصين رضي الله عنه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت إنها زنت وهي حبلى فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها فقال له: "أحسن إليها فإذا وضعت فجيء بها". فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت ثم أمرهم فصلوا عليها وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبأ لأنه لا يعيش إلا به وإن لم يكن من يرضعه لم يجز قتلها حتى ترضعه حولين كاملين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعامرية:"اذهبي حتى ترضعيه". ولأنه لما أخر القتل لحفظه وهو حمل فلأن يؤخر لحفظه وهو مولود أولى وإن وجد له مرضعة راتبة جاز أن يقتص لأنه يستغني بها عن الأم وإن وجد مرضعات غير رواتب أو وجدت بهيمة يسقي من لبنها فالمستحب
١ رواه أبو داود في كتاب الديات باب ٤. أحمد في مسنده ٦/٣٨٥.