فصل: إذا قتل بالسيف لم يقتص منه إلا بالسيف لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤] ولأن السيف أرجى الآلات فإذا قتل به واقتص بغيره أخذ فوق حقه لأن حقه في القتل وقد قتل وعذب فإن أحرقه أو أغرقه أورماه بحجر أورماه من شاهق أو ضربه بخشب أو حبسه ومنعه من الطعام والشراب فمات فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل: ١٢٦] ولما روى البراءة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه". ولأن القصاص موضوع على الماثلة والمماثلة ممكنة بهذه الأسباب فجاز أن يستوفي بها القصاص وله أن يقتص منه بالسيف لأنه قد وجب له القتل والتعذيب فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز فإن قتله بالسحر قتل بالسيف لأن عمل السحر محرم فسقط وبقي القتل فقتل بالسيف وإن قتله باللواط أو بسقي الخمر ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق أنه إن قتله بسقي الخمر قتله بقيء الماء وإن قتله باللواط فعل به مثل ما فعله بخشبه لأنه تعذر مثله حقيقة ففعل به ما هو أشبه بفعله والثاني: أنه يقتله بالسيف لأنه قتله بما هو محرم في نفسه فاقتص بالسيف كما لو قتله بالسحر وإن ضرب رجلاً بالسيف فمات فضرب بالسيف فلم يمت كرر عليه الضرب بالسيف لأن قتله مستحق وليس هاهنا ما هو أرجى من السيف فقتل به وإن قتله بمثقل أورماه من شاهق أو منعه من الطعام والشراب مدة ففعل به مثل ذلك فلم يمت ففيه قولان: أحدهما: يكرر عليه ذلك إلى أن يموت كما قلنا في السيف والثاني: أنه يقتل بالسيف لأنه فعل به مثل ما فعل وبقي إزهاق الروح فوجب بالسيف وإن جنى عليه جناية يجب فيها القصاص بأن قطع كفه أو أوضح رأسه فمات فللولي أن يستوفي القصاص بما جنى فيقطع كفه ويوضح رأسه لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة٤٥] فإن مات به فقد استوفى حقه وإن لم يمت قتل بالسيف لأنه لا يمكن أن يقطع منه عضواً آخر ولا أن يوضع في موضع آخر لأنه يصير قطع عضوين بعضو وإيضاح موضحتين بموضحة وإن جنى عليه جناية لا يجب فيها القصاص كالجائفة وقطع اليد من الساعد فمات منه ففيه