{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}[البقرة: ١٧٨] ولأن ما ضمن بالبدل في حق الآدمي ضمن ببدل معين كالمال والقول الثاني: أن موجبه أحد الأمرين من القصاص أو الدية والدليل عليه أن له أن يختار ما شاء منهما فكان الواجب أحدهما: كالهدي والطعام في جزاء الصيد فإذا قلنا إن الواجب هو القصاص وحده فعفا عن القصاص مطلقاً سقط القصاص ولم تجب الدية لأنه لا يجب له غير القصاص وقد أسقطه بالعفو وإن قلنا إنه يجب أحد الأمرين فعفا عن القصاص وجبت الدية لأن الواجب أحدهما: فإذا ترك أحدهما: وجب الآخر وإن اختار الدية سقط القصاص وثبت المال ولم يكن له أن يرجع إلى القصاص وإن قال اخترت القصاص فهل له أن يرجع إلى الدية فيه وجهان: أحدهما: له أن يرجع لأن القصاص أعلى فجاز أن ينتقل عنه إلى الأدنى والثاني: ليس له أن يرجع إلى الدية لأنه تركها فلم يرجع إليها كالقصاص فإن جنى عمد على رجل جناية توجب القصاص فاشتراه بأرش الجناية سقط القصاص لأن عدوله إلى الشراء اختيار للمال وهل يصح الشراء ينظر فيه فإن كانا لا يعرفان عدد الإبل وأسنانها لم يصح الشراء لأنه بيع مجهول فإن كانا يعرفان العدد والأسنان ففيه قولان: أحدهما: لا يصح الشراء لأن الجهل بالصفة كالجهل بالعدد والسن كما قلنا في السلم والثاني: أنه يصح لأنه مال مستقر في الذمة تصح المطالبة به فجاز البيع به كالعوض في القرض.
فصل: فإن كان القصاص لصغير لم يجز للولي أن يعفو عنه على غير مال لأنه تصرف لا حظ للصغير فيه فلا يملكه الولي كهبة ماله وإن أراد أن يعفو على مال فإن كان له مال أوله من ينفق عليه لم يجز العفو لأنه يفوت عليه القصاص من غير حاجة وإن لم يكن له مال ولا من ينفق عليه ففيه وجهان: أحدهما: يجوز العفو على مال لحاجته إلى المال ليحفظ به حياته والثاني: لا يجوز وهو المنصوص لأنه يستحق النفقة في بيت المال ولا حاجة به إلى العفو عن القصاص وإن كان المقتول لا وارث له غير المسلمين كان الأمر إلى السلطان فإن رأى القصاص اقتص وإن رأى العفو على مال عفا لأن الحق للمسلمين فوجب على الإمام أن يفعل ما يراه من المصلحة فإن أراد أن يعفو على غير مال لم يجز لأنه تصرف لا حظ فيه للمسلمين فلم يملكه.
فصل: وإن كان القصاص لجماعة فعفا بعضهم سقط حق الباقين من القصاص لما روى زيد بن وهب أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قتل رجلاً فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت أخت المقتول وهي امرأة القاتل قد عفوت عن حقي فقال عمر رضي الله عنه عتق من القتل وروى قتادة رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل قتل