فصل: ولا يقتل أسيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود: "ولا يقتل أسيرهم". فإن قتله ضمنه بالدية لأنه بالأسر صار محقون الدم فصار كما لو رجع إلى الطاعة وهل يضمنه بالقصاص فيه وجهان: أحدهما: يضمنه لما ذكرناه والثاني: لا يضمنه لأن أبا حنيفة رحمه الله يجيز قتله فصار ذلك شبهة في إسقاط القود فإن كان الأسير حراً بالغاً فدخل في الطاعة أطلقه وإن لم يدخل في الطاعة حبسه إلى أن تنقضي الحرب ليكف شره ثم يطلقه ويشرط عليه أن لا يعود إلى القتال وإن كان عبداً أو صبياً لم يحبسه لأنه ليس من أهل البيعة ومن أصحابنا من قال يحبسه لأن في حبسه كسرا لقلوبهم.
فصل: ولا يجوز قتالهم بالنار والرمي عن المنجنيق من غير ضرورة لأنه لا يجوز أن يقتل إلا من يقاتل والقتل بالنار أو المنجنيق يعم من يقاتل ومن لا يقاتل وإن دعت إليه الضرورة جاز كما يجوز أن يقتل من لا يقاتل إذا قصد قتله للدفع ولا يستعين في قتالهم بالكفار ولا بمن يرى قتلهم مدبرين لأن القصد كفهم وردهم إلى الطاعة دون قتلهم وهؤلاء يقصدون قتلهم فإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم فإن كان يقدر على منعهم من إتباع المدبرين جاز وإن لم يقدر لم يجز.
فصل: وإن اقتتل فريقان من أهل البغي فإن قدر الإمام على قهرهما لم يعاون واحداً منهما لأن الفريقين على خطأ وإن لم يقدر على قهرهما ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق فإن استويا في ذلك اجتهد في رأيه في ضم أحدهما: إلى نفسه ولا يقصد بذلك معاونته على الآخر بل يقصد الاستعانة به على الآخر فإذا انهزم الآخر لم يقاتل الذي ضمه إلى نفسه حتى يدعوه إلى الطاعة لأنه حصل بالاستعانة به في أمانة.
فصل: ولا يجوز أخذ مالهم لحديث ابن مسعود وحديث أبي أمامة في صفين ولأن الإسلام عصم دمهم ومالهم وإنما أبيح قتالهم للدفع والرد إلى الطاعة وبقي حكم المال على ما كان فلم يجز أخذه كمال قطاع الطريق ولا يجوز الانتفاع بسلاحهم وكراعهم من غير إذنهم من غير ضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" ١.
١ رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ١١، مسلم في كتاب الزكاة حديث ٩٦. الترمذي في كتاب الزكاة باب ٣٤. أحمد في مسنده ٤/١٠.