للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حاضر جاز لأن الغريم يصل إلى حقه وإن كان من مال غائب لم يجز لأنه قد يتلف فيضيع حق الغريم وإن كان الدين مؤجلاً ففيه وجهان: أحدهما: أنه يجوز أن يجاهد من غير إذن الغريم كما يجوز أن يسافر لغير الجهاد والثاني: أنه لا يجوز لأنه يتعرض للقتل طلباً للشهادة فلا يؤمن أن يقتل فيضيع دينه.

فصل: وإن كان أحد أبويه مسلماً لم يجز أن يجاهد بغير إذنه لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك" قال: نعم فقال: "ففيهما فجاهد"١. وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لميقاتها" قلت ثم ماذا؟ فقال: "بر الوالدين" قلت: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" ٢. فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد ولأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره ولهذا قال رجل لابن عباس رضي الله عنه إني نذرت أن أغزو الروم وإن أبوي منعاني فقال: أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك وإن لم يكن له أبوان وله جد أو جدة لم يجز أن يجاهد من غير إذنهما لأنهما كالأبوين في البر وإن كان له أب وجد أو أم وجدة فهل يلزمه استئذان الأب مع الحد أو استئذان الجدة مع الأم فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه لأن الأب والأم يحجبان الجد والجدة عن الولاية والحضانة والثاني: يلزمه وهو الصحيح عندي لأن وجود الأبوين لا يسقط بر الجدين ولا ينقص شفقتهما عليه وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما لأنهما متهمان في الدين وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا أنه يجاهد من غير إذنهما لأنه لا إذن لهما في أنفسهما فلم يعتبر إذنهما لغيرهما قال الشيخ الإمام: وعندي أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر في البر والشفقة فكان كالحر في اعتبار الإذن وان أراد الولد أن يسافر في تجارة أوفي طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب في سفره السلامة.

فصل: وإن أذن الغريم لغريمه أو الوالد لولده ثم رجعا أو كانا كافرين فأسلما فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج إلا بالإذن وان كان بعد التقاء الزحفين ففيه


١ رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ١٣٨. مسلم في كتاب البر حديث ٥. أبو داود في كتاب الجهاد باب ٣١. النسائي في كتاب الجهاد باب ٥.
٢ رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١. أحمد في مسنده ٢/٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>