أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ َمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله} [الأنفال: ١٥ - ١٦] وسواء كانت الفئة قريبة أو بعيدة والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة عظيمة وكنت ممن حاص فلما برزنا قلت كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بغضب ربنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا وقلنا نحن الفرارون فقال: "لا بل أنتم العكارون" فدنونا فقبلنا يده فقال إنا فئة المسلمين وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أنا فئة كل مسلم وهو بالمدينة وجيوشه في الآفاق إن ولى غير متحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة أثم وارتكب كبيرة والدليل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكبائر سبع أولهن الشرك بالله وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بدارا أن يكبروا وفرار يوم الزحف ورمي المحصنات وانقلاب الى الأعراب" ١. فإن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا لمثليهم هلكوا ففيه وجهان: أحدهما: أن لهم أن يولوا لقوله عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] والثاني: أنه ليس لهم أن يولوا وهو الصحيح لقوله عز وجل: {إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}[الأنفال: ٤٥] ولأن المجاهد إنما يقاتل ليقتل أو يقتل وإن زاد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين فلهم أن يولوا لأنه لما أوجب الله عز وجل على المائة مصابرة المائتين دل على أنه لا يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر وإن غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون فالأفضل أن يثبتوا حتى لا ينكسر المسلمون وان غلب على ظنهم أنهم يهلكون ففيه وجهان أحدهما: أنه يلزمهم أن
١ رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٤٤. البخاري في كتاب الوصايا باب ٢٣.