ينصرفوا لقوله عز وجل:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} والثاني: أنه يستحب أن ينصرفوا ولا يلزمهم لأنهم إن قتلوا فازوا بالشهادة وإن لقي رجل من المسلمين رجلين من المشركين في غير الحرب فإن طلباه ولم يطلبهما فله أن يولي عنهما لأنه غير نتأهب للقتال وإن طلبهما ولم يطلباه ففيه وجهان أحدهما: أن له أن يولي عنهما لأن فرض الجهاد في الجماعة دون الانفراد والثاني: أنه يحرم عليه أن يولي عنهما لأنه مجاهد لهما فلم يول عنهما كمل لو كان مع جماعة.
فصل: ويكره أن يقصد قتل ذي رحم محرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر رضي الله عنه من قتل ابنه فإن قتله لم يكره أن يقصد قتله كما لا يكره إذا قصد قتله وهو مسلم وإن سمعه يذكر الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء لم يكره أن يقتله لأن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قتل أباه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعته يسبك ولم ينكر عليه.
فصل: ولا يجوز قتل نسائهم ولا صبيانهم إذا لم يقاتلوا لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان ولا يجوز قتل الخنثى المشكل لأنه يجوز أن يكون رجلا ويجوز أن يكون امرأة فلم يقتل مع الشك وان قاتلوا جاز قتلهم لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال: "من قتل هذه؟ " فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت الى سيفي أو إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال النساء". ما شأن قتل النساء ولو حرم ذلك لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه إذا جاز قتلهن إذا قصدن القتل وهن مسلمات فلأن يجوز قتلهن وهن كافرات أولى.
فصل: وأما الشيخ الذي لا قتال فيه فإن كان له رأي في الحرب جاز قتله لأن دريد بن الصمة كان شيخا كبيرا وكان له رأي فإنه أشار على هوازن يوم حنين ألا يخرجوا معهم بالذراري فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا فقال دريد في ذلك:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وقتل ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قتله ولأن الرأي في الحرب أبلغ من القتال لأنه هو الأصل وعنه يصدر القتال ولهذا قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان