فحقن دمه بالجزية احتياطاً للدم وأما من تمسك بالكتب التي أنزلت على شيث وإبراهيم وداود ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق أنهم يقرون ببذل الجزية لأنهم أهل كتاب فأقروا ببذل الجزية كاليهود والنصارى والثاني: لا يقرون لأن هذه الصحف كالأحكام التي تنزل بها الوحي وأما السامرة والصابئون ففيهم وجهان: أحدهما: أنه تؤخذ منهم الجزية والثاني: لا تؤخذ وقد بيناهما في كتاب النكاح وأما من كان أحد أبويه وثنياً والآخر كتابياً فعلى ما ذكرناه في النكاح وإن دخل وثني في دين أهل الكتاب وله ابن صغير فجاء الإسلام وبلغ الابن واختار المقام على الدين الذي انتقل إليه أبوه أخذت منه الجزية لأنه تبعه في الدين فأخذت منه الجزية وإن غزا المسلمون قوماً من الكفار لا يعرفون دينهم فادعوا أنهم من أهل الكتاب أخذت منهم الجزية لأنه لا يمكن معرفة دينهم إلا من جهتهم فقبل قولهم وإن أسلم منهم اثنان وعدلا وشهدا أنهم من غير أهل الكتاب نبذ إليهم عهدهم لأنه بان بطلان دعواهم.
فصل: وأقل الجزية دينار لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً وإن التزم أكثر من دينار عقدت له الذمة أخذ بأدائه لأنه عوض في عقد منع الشرع فيه من النقصان عن دينار وبقي الأمر فيما زاد على ما يقع عليه التراضي كما لو وكل وكيلاً في بيع سلعة وقال لا تبع بما دون ينار فإن امتنع قوم من أداء الجزية باسم الجزية وقالوا نؤدي باسم الصدقة ورأى الإمام أن يأخذ باسم الصدقة جاز لأن نصارى العرب قالوا لعمر رضي الله عنه لا نؤدي ما تؤدي العجم ولكن خذ منا باسم الصدقة كما تأخذ من العرب فأبى عمر رضي الله عنه وقال: لا أقركم إلا بالجزية فقالوا خذ منا ضعف ما تأخذ من المسلمين فأبى عليهم فأرادوا اللحاق بدار الحرب فقال زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة لعمر إن بنى تغلب عرب وفيهم قوة فخذ منهم ما قد بذلوا ولا تدعهم أن يلحقوا بعدوك فصالحهم على أن يضعف عليهم الصدقة وإن كان ما يؤخذ منهم باسم الصدقة لا يبلغ الدينار وجب إتمام الدينار لأن الجزية لا تكون أقل من دينار وإن أضعف عليهم الصدقة فبلغت دينارين فقالوا أسقط عنا ديناراً وخذ منا ديناراً باسم الجزية وجب أخذ الدينار لأن الزيادة وجبت لتغيير الاسم فإذا رضوا بالاسم وجب إسقاط الزيادة.
فصل: والمستحب أن يجعل الجزية على ثلاث طبقات فيجعل على الفقير المعتمل ديناراً وعلى المتوسط دينارين وعلى الغني أربعة دنانير لأن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر ولأن بذلك يخرج من الخلاف لأن أبا حنيفة لا يجيز إلا كذلك.