للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رئيسهما فيحكم بينهما وإذا كانا على دينين لم يرض كل واحد منهما برئيس الآخر فيضيع الحق واختلف أصحابنا في موضع القولين فمنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وفي حقوق الله تعالى ومنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وأما حقوق الله تعالى فإنه يجب الحكم بينهما قولاً واحداً لأن الحقوق الآدميين من يطالب بها ويتوصل إلى استيفائها فلا تضيع بترك الحكم بينهما وليس لحقوق الله تعالى من يطالب بها فإذا لم يحكم بينهما ضاعت ومنهم من قال القولان في حقوق الله تعالى فأما في حقوق الآدميين فإنه يجب الحكم بينهما قولاً واحداً لأنه إذا لم يحكم بينهما في حقوق الآدميين ضاع حقه واستضر ولا يوجد ذلك في حقوق الله تعالى فإن تحاكم إليه ذمي ومعاهد ففيه قولان كالذميين وإن تحاكم إليه مسلم وذمي أو مسلم ومعاهد لزمه الحكم بينهما قولاً واحداً لأنه يلزمه دفع كل واحد منهما عن ظلم الآخر فلزمه الحكم بينهما ولا يحكم بينهما إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله} [المائدة: ٤٨] ولقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢] وإن تحاكم إليه رجل وامرأة في نكاح فإن كانا على نكاح لو أسلما عليه لم يجز إقرارهما عليه كنكاح ذوات المحارم حكم بإبطاله وإن كانا على نكاح لو أسلما عليه جاز إقرارهما عليه حكم بصحته لأن أنكحة الكفار محكوم بصحتها والدليل عليه قوله تعالى {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} فأضاف إلى فرعون زوجته وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٥] فأضاف إلى أبي لهب زوجته ولأنه أسلم خلق كثير على أنكحة في الكفر فأقروا على أنكحتهم فإن طلقها أو آلى منها وظاهر منها حكم في الجميع بحكم الإسلام.

فصل: وإن تزوجها على مهر فاسد وسلم إليها بحكم حاكمهم ثم ترافعا إلينا ففيه قولان: أحدهما: يقرون عليه لأنه مهر مقبوض فأقرا عليه كما لو أقبضهما من غير حكم والثاني: أنه يجب لها مهر المثل لأنها قبضت على إكراه بغير حق فصار كما لولم تقبض.

فصل: ومن أتى من أهل الذمة محرماً يوجب عقوبة نظرت فإن كان ذلك محرماً في دينه كالقتل والزنا والسرقة والقذف وجب عليه ما يجب على المسلم والدليل عليه ما روى أنس رضي الله عنه أن يهوياً قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما ولأنه محرم في دينه وقد التزم حكم الإسلام بعقد الذمة فوجب عليه ما يجب على المسلم وإن كان يعتقد إباحته كشرب الخمر لم يجب عليه الحد لأنه لا يعتقد تحريمه فلم يحب عليه عقوبة كالكفر فإن تظاهر به عزر لأنه إظهار منكر في دار الإسلام فعزر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>