فصل: إذا امتنع الذمي من التزام الجزية أو امتنع من التزام أحكام المسلمين اتنقض عهده لأن عقد الذمة لا ينعقد إلا بهما فلم يبق دونهما وإن قاتل المسلمين انتقض عهده سواء شرط عليه تركه في العقد أولم يشرط لأن مقتضى عقد الذمة الأمان من الجانبين والقتال ينافي الأمان فانتقض به العهد وإن فعل ما سوى ذلك نظرت فإن كان مما فيه إضرار بالمسلمين فقد ذكر الشافعي رحمه الله تعال ستة أشياء وهو أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم النكاح أو يفتن مسلماً عن دينه أو يقطع عليه الطريق أو يؤوي عيناً لهم أو يدل على عوراتهم وأضاف إليهم أصحابنا أن يقتل مسلماً فإن لم يشرط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يقتضي العقد من التزام أداء الجزية والتزام أحكام المسلمين والكف عن قتالهم وإن شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا ينتقض به العقد لأنه لا ينتقض به العهد ومن غير شرط فلا ينتقض به مع الشرط كإظهار الخمر والخنزير وترك الغيار والثاني: أنه ينتقض به العهد لما روي أن نصرانياً استكره امرأة مسلمة على الزنا فرفع إلى أبي عبيدة ابن الجراح فقال ما على هذا صالحناكم وضرب عنقه ولأن عقوبة هذه الأفعال تستوفي عليه من غير شرط فوجب أن يكون لشرطها تأثير ولا تأثير إلا ما ذكرنا من نقض العهد فإن ذكر الله عز وجل أو كناية أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دينه بما لا ينبغي فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق في حكمه حكم الثلاثة الأولى وهي الامتناع من التزام الجزية والتزام أحكام المسلمين والاجتماع على قتالهم وقال عامة أصحابنا حكمه حكم ما فيه ضرر بالمسلمين وهي الأشياء السبعة إن لم يشترط في العقد الكف عنه لم ينقض العهد وإن شرط الكف عنه فعلى الوجهين لأن في ذلك إضراراً بالمسلمين لما يدخل عليهم من العار فألحق بما ذكرناه مما فيه إضرار بالمسلمين ومن أصحابنا من قال من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قتله لما روي أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر سمعت راهباً يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لقتلته إنا لم نعطه الأمان على هذا وإن أظهر من منكر دينهم ما لا ضرر فيه على المسلمين كالخمر والخنزير وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل وترك الغيار لم ينتقض العهد شرط أولم يشرط واختلف أصحابنا في تعليله فمنهم من قال: لا ينتقض العهد لأنه إظهار ما لا ضرر فيه على المسلمين ومنهم من قال ينتقض لأنه إظهار ما يتدينون به وإذا فعل ما ينتقض به العهد ففيه قولان: أحدهما: أنه يرد إلى مأمنه لأنه حصل في دار الإسلام بأمان فلم يجز قتله قبل الرد إلى مأمنه كما لو دخل دار الإسلام بأمان صبي والثاني: وهو الصحيح أنه لا يجب رده إلى مأمنه كالأسير ويخالف من دخل