للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولان: أحدهما: أنه لا يجوز لأن الله تعالى بقتال أهل الكتاب إلى أن يعطوا الجزية لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ} [التوبة: ٢٩] وأمر بقتال عبدة الأوثان إلى أن يؤمنوا لقوله عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ثم أذن في الهدنة في أربعة أشهر وبقي ما زاد على ظاهر الآيتين والقول الثاني أنه يجوز لأنها مدة تقصر عن مدة الجزية فجاز فيها عقد الهدنة كأربعة أشهر وإن كان الإمام غير مستظهر بأن كان في المسلمين ضعف وقلة وفي المشركين قوة وكثرة أو كان الإمام مستظهراً لكن العدو على بعد ويحتاج في قصدهم إلى مؤنة مجحفة جاز عقد الهدنة إلى مدة تدعوا إليها الحاجة وأكثرها عشر سنين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً في الحديبية عشر سنين ولا يجوز فيما زاد على ذلك لأن الأصل وجوب الجهاد إلا فيما وردت فيه الرخصة وهو عشر سنين وبقي ما زاد على الأصل وإن عقد على أكثر من عشر سنين بطل فيما زاد على العشر وفي العشر قولان بناء على تفريق الصفقة في البيع وإن دعت الحاجة إلى خمس سنين لم تجز الزيادة عليها فإن عقد على ما زاد على الخمس سنين بطل العقد فيما زاد وفي الخمس قولان: فإن عقد الهدنة مطلقاً من غير مدة لم يصح لأن إطلاقه يقتضي التأبيد وذلك لا يجوز وإن هادن على أن له أن ينقض إذا شاء جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم وادع يهود خيبر وقال: "أقركم ما أقركم الله". وإن قال غير النبي صلى الله عليه وسلم هادنتكم إلى أن يشاء الله تعالى أو أقررتكم ما أقركم الله تعالى لم يجز لأنه لا طرق له إلى معرفة ما عند الله تعالى ويخالف الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعلم ما عند الله تعالى بالوحي وإن هادنهم ما شاء فلان وهو رجل مسلم أمين عالم له رأي جاز فإن شاء فلان أن ينقض نقض وإن قال هادنتكم ما شيئم لم يصح لأنه جعل الكفار محكمين على المسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى". ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم لأن في ذلك مصلحة للمسلمين ولا يجوز بمال يؤدي إليهم من غير ضرورة لأن في ذلك إلحاق صغار بالإسلام فلم يجز من غير ضرورة فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام أو أسروا رجلاً من المسلمين وخيف تعذيبه جاز بذل المال لاستنقاذه منهم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن الحرث بن عمر والغطفاني رئيس غطفان قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن جعلت لي شطر ثمار المدينة وإلا ملأتها عليك خيلاً ورجلاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى أشاور السعديين". يعني سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زرارة فقالوا: إن كان هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>