بأمر من السماء فتسليم لأمر الله عز وجل وإن كان برأيك فرأينا تبع لرأيك وإن لم يكن بأمر من السماء ولا برأيك فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية تمرة إلا شراء أو قراء وكيف وقد أعزنا الله بك فلم يعطهم شيئا فلولم يجز عند الضرورة لما رجع إلى الأنصار ليدفعوه إن رأوا ذلك ولأن ما يخاف من الاصطلام وتعذيب الأسير أعظم في الضرورة من بذل المال فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما وهل يجب بذل المال؟ فيه وجهان بناء على الوجهين في وجوب الدفع عن نفسه وقد بيناه في الصول فإذا بذل لهم على ذلك مال لم يملكوه لأنه مال مأخوذ بغير حق فلم يملكوه كالمأخوذ بالقهر.
فصل: ولا يجوز عقد الهدنة على رد من جاء من المسلمات لأن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الصلح الحديبية فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة فجاء أخوها فطالباها فأنزل الله عز وجل: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى منع من الصلح في النساء" ولأنه لا يؤمن أن تزوج بمشرك فيصيبها ولا يؤمن أن تفتن في دينها لنقصان عقلها ولا يجوز عقدها على رد من لا عشيرة له من الرجال تمنع عنه لأنه لا يأمن على نفسه في إظهار دينه فيما بينهم ويجوز عقدها على رد من له عشيرة تمنع عنه لأنه يأمن على نفسه في إظهار دينه ولا يجوز عقدها مطلقاً على رد من جاء من الرجال مسلما لأنه يدخل فيه من يجوز رده ومن لا يجوز.
فصل: وإن عقدت الهدنة على ما لا يجوز مما ذكرناه أو عقدت الذمة على ما لا يجوز من النقصان عن دينار في الجزية أو المقام في الحجاز أو الدخول إلى الحرم أو بناء كنيسة في دار الإسلام أوترك الغيار أو إظهار الخمر والخنزير في دار الإسلام وجب نقضه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ١. ولما روي عن عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس وقال: ردوا الجهالات إلى السنة ولأنه عقد على محرم فلم يجز الإقرار عليه كالبيع بشرط باطل أو عوض محرم.
فصل: وإن عقدت الهدنة على ما يجوز إلى مدة وجب الوفاء بها إلى أن تنقضي المدة ما أقاموا على العهد لقوله عز وجل: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ولقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ
١ رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب ٢٠. مسلم في كتاب الأقضية حديث ١٧. أبو داود في كتاب السنة باب ٥. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ٢. أحمد في مسنده ٢/١٤٦.