كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٣ - ٤] ولقوله عز وجل: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}[التوبة: ٧] وروى سليمان ابن عامر قال كان بين معاوية وبين الروم هدنة فسار معاوية في أرضهم كأنهم يريد أن يغير عليهم فقال له عمرو ابن عبسة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل عقده ولا يشدها حتى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء". قال: فانصرف معاوية ذلك العام ولأن الهدنة عقدت لمصلحة المسلمين فإذا لم يف لهم عند قدرتنا عليهم لم يفوا لنا عند قدرتهم علينا فيؤدي ذلك إلى الإضرار بالمسلمين وإن مات الإمام الذي عقد الهدنة ولي غيره لزمه إمضاؤه لما روي أن نصارى نجران أتوا علياً كرم الله وجهه وقالوا: إن الكتاب كان بيديك والشفاعة إليك وإن عمر أجلانا من أرضنا فردنا إليها فقال علي: إن عمر كان رشيداً في أمره وإني لا أغير أمراً فعله عمر رضي الله عنه.
فصل: ويجب على الإمام منع من يقصدهم من المسلمين ومن معهم من أهل الذمة لأن الهدنة عقدت على الكف عنهم ولا يجب عليه منع من قصدهم من أهل الحرب ولا منع بعضهم من بعض لأن الهدنة لم تعقد على حفظهم وإنما عقدت على تركهم بخلاف أهل الذمة فإن أهل الذمة عقدت على حفظهم فوجب منع كل من يقصدهم ويجب على المسلمين ومن معهم من أهل الذمة ضمان أنفسهم وأموالهم والتعزير بقذفهم لأن الهدنة تقتضي الكف عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فوجب ضمان ما يجب في ذلك.
فصل: إذا جاءت منعم حرة بالغة عاقلة مسلمة مهاجرة إلى بلد فيه الإمام أو نائب عنه ولها زوج مقيم على الشرك وقد دخل بها وسلم إليها مهراً حلالاً فجاء زوجها في طلبها فهل يجب رد ما سلم إليها من المهر؟ فيه قولان: أحدهما: يجب لقوله تعالى عز وجل: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١٠] ولأن البضع مقوم حيل بينه وبين مالكه فوجب رد بدله كما لو أخذ منهم مالاً وتعذر رده والقول الثاني وهو الصحيح وهو اختيار المزني أنه لا يجب لأن البضع ليس بمال والأمان لا يدخل فيه إلا المال ولهذا لو أمن مشركاً لم تدخل امرأته في الأمان ولأنه لو ضمن البضع الحيلولة لضمن بمهر المثل كما يضمن المال عند تعذر الرد