فجاء سارق فسرقه ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يقطع لأنه حرز لم يرضه مالكه والثاني: أنه يقطع لأنه سرق ما لا شبهة له فيه من حرز مثله.
فصل: وإن وهب المسروق منه العين المسروقة من السارق بعد ما رفع إلى السلطان لم يسقط القطع لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في سارق رداء صفوان أن تقطع يده فقال صفوان: إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا قبل أن تأتيني به". ولأن ما حدث بعد وجوب الحد ولم يوجب شبهة في الوجوب فلم يؤثر في الحد كما لو زنى وهو عبد فصار حراً قبل أن يحد أو زنى وهو بكر فصار ثيباً قبل أن يحد وإن سرق عيناً قيمتها ربع دينار فنقصت قيمتها قبل أن يقطع لم يسقط القطع لما ذكرناه وإن ثبتت السرقة بالبينة فأقر المسروق منه بالملك للسارق أو قال كنت أبحته له سقط القطع لأنه يحتمل أن يكون صادقاً في إقراره وذلك شبهة فلم يجب معها الحد وإن ثبتت السرقة بالبينة فادعى السارق أن المسروق ماله وهبه منه أو أباحه له وأنكر المسروق منه ولم يكن للسارق بينة لم يقبل دعواه في حق المسروق منه لأنه خلاف الظاهر بل يجب تسليم المال إليه وأما القطع فالمنصوص أنه لا يجب لأنه يجوز أن يكون صادقاً وذلك شبهة فمنعت وجوب الحد وذكر أبو إسحاق وجهاً آخر أنه يقطع لأنا لو أسقطنا القطع بدعواه أفضى إلى أن لا يقطع سارق وهذا خطأ لأنه يبطل به إذا ثبت عليه الزنى بامرأة وادعى زوجيتها فإنه يسقط الحد وإن أفضى ذلك إلى إسقاط حد الزنا وإن ثبتت السرقة بالبينة والمسروق منه غائب فالمنصوص في السرقة أنه لا يقطع حتى يحضر فيدعي وقال فيمن قامت البينة عليه أنه زنى بأمة ومولاها غائب أنه يحد ولا ينتظر حضور المولى فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة مذاهب: أحدها وهو قول أبي العباس بن سريج رحمه الله أنه لا يقام عليه الحد في المسألتين حتى يحضر وما روي في حد الزنى سهو من الناقل ووجهه أنه يجوز أن يكون عند الغائب شبهة تسقط الحد بأن يقول المسروق منه كنت أبحته له ويقول مولى الأمة كنت وقفتها عليه والحد يدرأ بالشبهة فلا يقام عليه قبل الحضور والثاني: وهو قول أبي إسحاق أنه ينقل جواب كل واحدة منهما إلى الأخرى فيكون في المسألتين قولان: أحدهما: أنه لا يحد لجواز أن يكون عند الغائب شبهة والثاني: أن يحد لأنه وجب الحد في الظاهر فلا يؤخر والثالث وهو قول أبي الطيب بن سلمة وأبي حفص بن الوكيل أنه يحد الزاني ولا يقطع السارق على ما نص عليه لأن حد الزنا لا تمنع الإباحة من وجوبه والقطع في السرقة تمنع الإباحة من وجوبه وإن ثبتت السرقة والزنا بالإقرار فهو كما لو ثبتت بالبينة فيكون على ما تقدم من المذاهب ومن أصحابنا