من قال فيه وجه آخر أنه يقطع السارق ويحد الزاني في الإقرار وجهاً واحداً والصحيح أنه كالبينة وإذا قلنا أنه ينتظر قدوم الغائب ففيه وجهان: أحدهما: أنه يحبس لأنه قد وجب الحد وبقي الاستيفاء فحبس كما يحبس من عليه القصاص إلى أن يبلغ الصبي ويقدم الغائب والثاني: أنه إن كان السفر قريباً حبس إلى أن يقدم الغائب وإن كان السفر بعيداً لم يحبس لأن في حبسه إضراراً به والحق لله عز وجل فلم يحبس لأجله.
فصل: وإذا ثبت الحد عند السلطان لم يجز العفو عنه ولا تجوز الشفاعة فيه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق قد سرق فأمر به فقطع فقيل يا رسول الله ما كنا نراك تبلغ به هذا قال: لو كانت فاطمة بنت محمد لأقمت عليها الحد وروى عروة قال: شفع الزبير في سارق فقيل حتى يأتي السلطان قال: إذا بلغ السلطان فلعن الله الشافع والمشفع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الحد لله فلا يجوز فيه العفو والشفاعة.
فصل: وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى فإن سرق ثالثاً قطعت يده اليسرى فإن سرق رابعاً قطعت رجله اليمنى لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: "وإن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ١. وإن سرق خامساً لم يقتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين في حديث أبي هريرة ما يجب عليه في أربع مرات فلو وجب في الخامسة قتل لبين ويعزر لأنه معصية ليس فيها حد ولا كفارة فعزر فيها.
فصل: وتقطع اليد من مفصل الكف لما روي عن أبي بكر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق فاقطعوا يمينه من الكوع ولأن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولهذا تجب الدية فيه ويجب فيما زاد الحكومة وتقطع الرجل من مفصل القدم وقال أبو ثور: تقطع الرجل من شطر القدم لما روى الشعبي قال: كان علي كرم الله وجهه يقطع الرجل من شطر القدم ويترك له عقباً ويقول أدع له ما يعتمد عليه والمذهب ما ذكرناه والدليل عليه ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقطع القدم من مفصلها ولأن البطش بالقدم ويجب فيها الدية فوجب قطعه.
فصل: وإن سرق ولا يمين له قطعت الرجل اليسرى فإن كانت له يمين عند السرقة فذهبت بآكلة أو جناية سقط الحد ولم ينتقل الحد إلى الرجل والفرق بين