التحكيم فمنهم من قال يجوز في كل ما تحاكم فيه الخصمان كما يجوز حكم القاضي الذي ولاه الإمام ومنهم من قال: يجوز في الأموال فأما في النكاح والقصاص واللعان وحد القذف فلا يجوز فيها التحكيم لأنها حقوق بنيت على الاحتياط فلم يجز فيها التحكيم.
فصل: ويجوز أن يجعل قضاء بلد إلى اثنين وأكثر على أن يحكم كل واحد منهم في موضع ويجوز أن يجعل إلى أحدهما: القضاء في حق وإلى الآخر في حق آخر وإلى أحدهما: في زمان وإلى الآخر في زمان آخر لأنه نيابة عن الإمام فكان على حسب الاستنابة وهل يجوز أن يجعل إليهما القضاء في مكان واحد في حق واحد وزمان واحد فيه وجهان: أحدهما: أنه يجوز لأنه نيابة فجاز أن يجعل إلى اثنين كالوكالة والثاني: أنه لا يجوز لأنهما قد يختلفان في الحكم فتقف الحكومة ولا تنقطع الخصومة.
فصل: ولا يجوز أن يعقد تقلد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه لقوله عز وجل: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} والحق ما دل عليه الدليل وذلك لا يتعين في مذهب بعينه فإن قلد على هذا الشرط بطلت التولية لأنه علقها على شرط وقد بطل الشرط فبطلت التولية.
فصل: وإذا ولى القضاء على بلد كتب له العهد بما ولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنس حين بعثه إلى البحرين كتاباً وختمه بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى حارثة بن مضرب أن عمر كتب إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عماراً أميراً وعبد الله قاضياً ووزيراً فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما فإن كان البلد الذي ولاه بعيداً أشهد له على التولية