مع ولده فحكم لأحدهما: فقد قال بعض أصحابنا: إنه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبي والثاني: أنه يجوز لأنهما استويا في التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل وإن أراد أن يستخلف في أعماله والده وولده جاز لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم في أعماله فجاز أن يستخلفهما للحكم في أعماله وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضياً لم يجز أن يختار والده أو ولده لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده.
فصل: ولا يجوز أن يرتشي على الحكم لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم". ولأنه أخذ مال على حرام فكان حراماً كمهر البغي ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة أن يهدي إليه قبل الولاية لما روى أبو حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: "ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي ألا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منهما شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته" ١. فدل على أن ما أهدي إليه بعد الولاية لا يجوز قبوله وأما من كانت له عادة بأن يهدى إليه قبل الولاية برحم أو مودة فإنه إن كانت له في الحال حكومة لم يجز قبولها منه لأنه لا يأخذ في حال يتهم فيه وإن لم يكن له حكومة فإن كان أكثر مما كان يهدى إليه أو أرفع منه لم يجز له قبولها لأن الزيادة حدث بالولاية وإن لم يكن أكثر ولا أرفع مما كان يهد إليه جاز قبولها لخروجها عن تسبب الولاية والأولى أن لا يقبل لجواز أن يكون قد أهدي إليه لحكومة منتظرة.
فصل: ويجوز أن يحضر الولائم لأن الإجابة إلى وليمة غير العرس مستحبة وفي وليمة العرس وجهان: أحدهما: أنها فرض على الأعيان والثاني: أنها فرض على الكفاية ولا يخص في الإجابة قوماً دون قوم لأن في تخصيص بعضهم ميلاً وتركاً للعدل فإن كثرت عليه وقطعته عن الحكم ترك الحضور في حق الجميع لأن الإجابة إلى الوليمة إما أن تكون سنة أو فرضاً على الكفاية أو فرضاً على الأعيان إلا أنه لا يستضر بتركها جميع المسلمين والقضاء فرض عليه ويستضر بتركه جميع المسلمين فوجب تقديم القضاء
١ رواه البخاري في كتاب الأحكام باب ٢٤. مسلم في كتاب الإمارة حديث ٢٦. أبو داود في كتاب الإمارة باب ١١. أحمد في مسنده ٥/٤٢٣.