فصل: ولا تقبل شهادة العبد لأنها أمر لا يتبعض بني على التفاضل فلم يكن للعبد فيه مدخل كالميراث والرحم ولا تقبل شهادة الكافر لما روى معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز شهادة أهل دين على أهل دين آخر إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم". ولأنه إذا لم تقبل شهادة من يشهد بالزور على الآدمي فلأن لا تقبل شهادة من شهد بالزور على الله تعالى أولى ولا تقبل شهادة فاسق لقوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: ٦] فإن ارتكب كبيرة كالغصب والسرقة والقذف وشرب الخمر فسق وردت شهادته سواء فعل ذلك مرة أو تكرر منه والدليل عليه قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه" ١. فورد النص في القذف والزنا وقسنا عليهم سائر الكبائر ولأن من ارتكب كبيرة ولم يبال شهد بالزور ولم يبال وإن تجنب الكبائر وارتكب الصغائر فإن كان ذلك نادراً من أفعاله لم يفسق ولم ترد شهادته وإن كان ذلك غالباً في أفعاله فسق وردت شهادته لأنه لا يمكن رد شهادته بالقليل من الصغائر لأنه لا يوجد من يمحض الطاعة ولا يخلطها بمعصية ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما منا إلا من عصى أو عم بمعصية إلا يحيى ابن زكريا". ولهذا قال الشاعر:
من لك بالمحض وليس محض ... يخبث بعض ويطيب بعض
ولا يمكن قبول الشهادة مع الكثير من الصغائر لأن من استجاز الإكثار من الصغائر
١ رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب ١٦. الترمذي في كتاب الشهادات باب ٢. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب ٣٠. أحمد في مسنده ٢/٢٠٤.