فصل: يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في السفر الذي تقصر فيه الصلاة لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر وفي السفر الذي لا تقصر فيه صلاة قولان: أحدهما يجوز لأنه سفر يجوز فيه التنفل على الراحلة فجاز فيه الجمع كالسفر الطويل والثاني لا يجوز وهو الأصح لأنه إخراج عبادة عن وقتها فلم يجز في السفر القصير كالفطر في الصوم.
فصل: ويجوز الجمع بينهما في وقت الأولى منهما وفي وقت الثانية غير أنه إن كان نازلاً في وقت الأولى فالأفضل أن يقدم الثانية وإن كان سائراً فالأفضل أن يؤخر الأولى إلى وقت الثانية لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس في المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر وجمع بينهما في الزوال وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم جمع بينهما في وقت العصر ولأن هذا أرفق بالمسافر فكان أفضل وإن أراد الجمع في وقت الأولى لم يجز إلا بثلاثة شروط: أحدهما أن ينوي الجمع وقال المزني يجوز الجمع من غير نية الجمع وهذا خطأ لأنه جمع فلا يجوز من غير نية كالجمع في وقت الثانية ولأن العصر قد يفعل في وقت الظهر على وجه الخطأ فلا بد من نية الجمع ليتميز التقديم المشروع من غيره وفي وقت النية قولان: أحدهما يلزمه أن ينوي عند ابتداء الأولى لأنها نية واجبة للصلاة فلا يجوز تأخيرها عن الإحرام كنية الصلاة ونية القصر والثاني يجوز أن ينوي قبل الفراغ من الأولى وهو الأصح لأن النية تقدمت على حال الجمع فأشبه إذا نوى عند الإحرام والشرط الثاني الترتيب وهو أن يقدم الأولى ثم يصلي الثانية لأن الوقت للأولى وإنما يفعل الثانية تبعاً للأولى فلا بد من تقديم المتبوع والشرط الثالث التتابع وهو أن لا يفرق بينهما والدليل عليه أنهما كالصلاة الواحدة فلا يجوز أن يفرط بينهما كما لا يجوز أن يفرق بين الركعات في صلاة واحدة فإن فصل بينهما بفصل طويل بطل الجمع وإن فصل بينهما بفصل يسير لم يضر وإن أخر الأولى إلى الثانية لم يصح إلا بالنية لأنه قد يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره فلا بد من نية يتميز بها التأخير المشروع عن غيره ويجب أن ينوي في وقت الأولى وأما الترتيب فليس بواجب لأن وقت الثانية وقت الأولى فجاز البداية بما شاء منهما وأما التتابع فلا يجب لأن الأولى مع الثانية كصلاة فائتة مع صلاة حاضرة فجاز التفريق بينهما.