أضاف أكل الناسي إلى الله تعالى فأسقط به القضاء فدل على أن كل ما حصل بغير فعله لا يوجب القضاء وإن أكره حتى أكل بنفسه أو أكرهت المرأة حتى مكنت من الوطء فوطئها ففيه قولان: أحدهما يبطل الصوم لأنه فعل ما ينافي الصوم لدفع الضرر وهو ذاكر للصوم فبطل صومه كما لو أكل لخوف المرض أو شرب لدفع العطش والثاني لا يبطل لأنه وصل إلى جوفه بغير اختياره فأشبه إذا أوجر في حلقه وإن تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه أو دماغه فقد نص فيه على قولين: فمن أصحابنا من قال القولان إذا لم يبالغ فأما إذا بالغ بطل صومه قولاً واحداً وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة "إذا استنشقت فبالغ في الوضوء إلا أن تكون صائماً" فنهاه عن المبالغة فلو لم يكن وصول الماء في المبالغة يبطل الصوم لم يكن للنهي عن المبالغة معنى ولأن المبالغة منهي عنها في الصوم وما تولد من سبب منهي عنه فهو كالمباشرة والدليل عليه أنه إذا جرح إنساناً فمات جعل كأنه باشر قتله ومن أصحابنا من قال: هي على قولين بالغ أو يبالغ أحدهما أنه يبطل صومه لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قبل وهو صائم: "أرأيت لو تمضمضت" فشبه القبلة بالمضمضة وإذا قبل وأنزل بطل صومه فكذلك إذا تمضمض فنزل الماء إلى جوفه وجب أن يبطل صومه والثاني لا يبطل لأنه وصل إلى جوفه بغير اختياره فلم يبطل صومه كغبار الطريق وغربلة الدقيق وإن أكل أو جامع وهو يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع أو يظن أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت لزمه القضاء لما روى حنظلة قال: كنا في المدينة في شهر رمضان وفي السماء شيء من السحاب فظننا أن الشمس قد غربت فأفطر بعض الناس فأمر عمر رضي الله عنه من كان أفطر أن يصوم يوماً مكانه ولأنه مفرط لأنه كان يمكنه أن يمسك إلى أن يعلم فلم يعذر.
فصل: ومن أفطر في رمضان بغير جماع من غير عذر وجب عليه القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استقاء فعليه القضاء١" ولأن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والمسافر مع وجود العذر فلأن يجب مع عدم العذر أولى ويجب عليه إمساك بقية النهار لأنه أفطر بغير عذر فلزمه إمساك بقية النهار ولا تجب عليه الكفارة لأن الأصل
١ رواه أبو داود في كتاب الصوم باب ٣٢. الترمذي في كتاب الصوم باب ٢٥. ابن ماجه في كتاب الصيام باب ١٦. الدارمي في كتاب الصيام باب ٢٥. أحمد في مسنده "٢/٤٩٨".