فصل: وإن حضرت الجمعة وهو من أهل الفرض والاعتكاف في غير الجامع لزمه أن يخرج إليها لأن الجمعة فرض بالشرع فلا يجوز تركها بالاعتكاف وهل يبطل اعتكافه بذلك بذلك أم لا؟ فيه قولان: قال في البويطي: لا يبطل لأنه خروج لا بد له منه فلم يبطل الاعتكاف كالخروج لقضاء حاجة الإنسان وقال في عامة كتبه يبطل اعتكافه لأنه كان يمكنه الاحتراز من الخروج بأن يعتكف في الجامع فإن لم يفعل بطل اعتكافه كما لو دخل صوم الشهرين المتتابعين في شعبان فخرج منه بصوم رمضان فإن تعين عليه أداء شهادة لزمه الخروج لأدائها لأنه تعين لحق آدمي فقدم على الاعتكاف وهل يبطل اعتكافه بذلك؟ ينظر فيه فإن كان قد تعين عليه تحملها لم يبطل لأنه مضطر إلى الخروج وإلى تسببه وإن لم يتعين عليه تحملها فقد روى المزني رضي الله عنه أنه قال يبطل الاعتكاف وقال في المعتكفة إذا طلقت تخرج وتعتد ولا يبطل اعتكافها فنقل أبو العباس جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وجعلهما على قولين: أحدهما يبطل فيهما لأن التسبب حصل باختياره والثاني لا يبطل لأنه مضطر إلى الخروج وحمل أبو إسحاق المسألتين على ظاهرهما فقال في الشهادة يبطل وفي العدة لا يبطل لأن المرأة لا تتزوج لتطلق فتعتد والشاهد إنما يتحمل ليؤدي ولأن المرأة محتاجة إلى التسبب وهو النكاح للنفقة والعفة والشاهد غير محتاج إلى التحمل.
فصل: ومن مرض مرضاً لا يؤمن معه تلويث المسجد كإطلاق الجوف وسلس البول خرج كما يخرج لحاجة الإنسان وإن كان مرضاً يسيراً يمكن معه المقام في المسجد من غير مشقة لم يخرج فإن خرج بطل اعتكافه وإن كان مرضاً حتى يحتاج فيه إلى الفراش ويشق معه المقام في المسجد ففيه قولان: بناء على القولين في المريض إذا أفطر في صوم الشهرين المتتابعين وإن أغمي عليه فأخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه قولاً واحداً لأنه لم يخرج باختياره.
فصل: قال في الأم: وإن سكر فسد اعتكافه ثم قال: وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق: فمنهم من قال لا يبطل فيهما قولاً واحداً لأنهما لم يخرجا من المسجد وتأول قوله في السكران إذا سكر فأخرج لأنه لا يجوز إقراره في المسجد أو أخرج ليقام عليه الحد ومنهم من قال يبطل فيهما لأن السكران خرج عن أن يكون من أهل المقام في المسجد والمرتد خرج عن أن يكون من أهل العبادات وتأول قوله في المرتد إذا ارتد في اعتكاف غير متتابع أنه يرجع ويتم ما بقي.