قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه فسمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطباً وهل يجوز للأغنياء فيه قولان: أحدهما لا يجوز - وهو اختيار المزني - لأن الرخصة وردت في حق الفقراء والأغنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقي في حقهم على الحظر والثاني أنه يجوز لما روى سهل بن أبي حثمة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرايا أن تبتاع بخرصها تمراً يأكلها أهلها رطباً ولم يفرق ولأن كل بيع جاز للفقراء جاز للأغنياء كسائر البيوع وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها يجوز - وهو قول أبي علي بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال: رخص رسول الله في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك والثاني لايجوز وهو قول أبي سعيد الإصطخري لما روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل" ولأن الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين فلو جوزناه في الرطب بالرطب لجوزناه في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام والثالث وهو قول أبي إسحاق إنه إن كان نوعاً واحداً لم يجز لأنه لاحاجة به إليه لأن مثل ما يبتاعه عنده وإن كان نوعين جاز لأنه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذي عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولارطب عنده ولا يجوز في العرايا فيما زاد على خمسة أوسق في عقد واحد لما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤوس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع ويجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق وفي خمسة أوسق قولان: أحدهما لا يجوز وهو قول المزني لأن الأصل هو الحضر وقد ثبت جواز ذلك فيما دون خمسة أوسق